بقلم: الأستاذ أبو القاسم الزائر لم يكن العلماء العارفون ولا الأنبياء المرسلون ولا زعماء السياسة من القادة الفاتحين وروّاد الاصلاح والتنوير ورموز الفكر والتنظير يختلفون في أن الثورة نبض الكائن الحي المريد ولقد أدركوا تمام الادراك أن لا ثورة جديرة بالبقاء وبارساء سبل الخلاص إلا إذا قامت على دعامتين أساسيتين أولاهما القدرة على هدم الظلم البائد بما يقتضي المجاهدة والشجاعة والتضحية والثانية هي القدرة على بناء الصرح البديل بما يقتضي الخبرة والأناة والصبر ونكران الذات على أنه من البداهة إذا افتقدنا مخطط البناء وارتجلنا الثورة ارتجالا غضبيا فاقتصرنا على المعطى الانفعالي وقعنا في خطإ منهجي وسبق عاطفي نخشى بعده السقوط في دوامة الحيرة متسائلين كيف البناء بعد الهدم؟ ونخشى أن يكون مثلنا مثل من سافر دون عجلة احتياطية فلما ضعف آداء احدى عجلات سيارته سارع بإتلافها ثم أحصر لعدم استصحابه لعجلة احتياطية وأخشى ما نخشاه أن يصيبنا مثل ما أصاب أصحاب علي بن محمد في مسرحية ثورة الزنج للكاتب التونسي الألمعي الفذ الجدير بأكثر من تحية اكبار وتقدير المفكر عزالدين المدني، حيث بعد أن أسقط الزنج دولة الظلم العباسية في ثورة اندفاعية دون مخطط مدروس لجؤوا مضطرين تحت عمالة قائدهم المزعوم إلى الارتماء في أحضان أعدائهم يتسوّلون رفدهم ويستعجلون مددهم ويطلبون عونهم: أطباءهم وبنائيهم ومهندسيهم ومعلميهم... لبناء مدينتهم (المختارة) التي أصبحت مستعمرة عباسية جديدة أشد بؤسا وتبعية مما كانت عليه قبل ثورتهم. لست هنا بمنكر فضل الثورات في التاريخ. بالعكس فكل كيان لا ثورة فيه. لا حياة فيه وكل شعب لا يثور من أجل الأفضل هو شعب ميت والتاريخ في مسرح تحولاته الكبرى هو صنيعة الثوار وانجازات الفضلاء الأحرار. لكن الذي أقصده من ضرب هذا المثل خوفي من أن تنقلب الثورة الى نقيض مدلولها لتصبح صرخة انفعال لا مشروع أفعال أو أن نجعلها غاية في حدّ ذاتها وهي الوسيلة الى الأفضل ودرب العبور الى النجاة... فيندس المندسّون ويستبد الانتهازيون ويعلو صراخ المحتجين استعجالا للحلول الشخصية والمسائل الذاتية وتتعاقب الاعتصامات وقطع السبيل على السابلة والكل يدّعي أنه الأحق وأنه الأولى وتكثر المزايدات والمساومات ويتنافس المتنافسون في الخبرة على وضع العصا في العجلة كل من زاوية اختصاص قطاعه مباهيا بالقدرة على (تبريك البلاد) ولا أحد باستثناء أبرار هذا الوطن تباهى بالقدرة على دفع السفينة المعطلة المهدّدة بالغرق... أيها التونسيون هذا وطنكم. إن بنيتموه فقد بنيتم أنفسكم أو حطمتموه فما حطمتم إلا أنفسكم ولا فضل لتونسي على تونسي إلا بمقدار ما يخلص لوطنه بمن فيه وما فيه. فتونس هي هويتنا ومرجع انتمائنا ومعيارنمائنا وعنوان شرفنا بين الأمم والشعوب وهي الأصل ونحن الفرع وإذا زكا الأصل وطاب يزكو الفرع ويطيب وتونس أوّلا ونحن ثانيا وهي الأم والأب وبرّ الوطن كبر الوالدين وصية اللّه لعباده فاتقوا اللّه في وطنكم... رحم اللّه شهداء ثورة الكرامة ووفّق مساعي صناع القرار الى ما فيه خير تونس وسؤدد شيبها وشبابها ودوام عزّة مجيداتها وأمجادها.