الملاحظة الهامة التي يسجلها الملاحظ هذه الأيام بكل انشراح وارتياح وسعادة تتمثل في عودة حالة التعقل على مستوى الشارع.. وعلى المستوى العام.. لقد تراجعت حالة الفوضى.. والانفلات العام الذي شمل عدة مجالات وحلّت محلها حالة أخرى من الواقعية والتعقل والتحليل الهادئ الرصين.. والنظرة الموضوعية والصحيحة.. إنها ملاحظة بارزة تنطق بها عدة أمور وتشهد بها الوقائع والأحداث.. ونرجو أن تستمرّ وتتوسع وتصمد أمام محاولات فرض الفوضى.. والهرج.. واللخبطة.. وخلط الأوراق.. وإقحامنا في مهاترات.. وخصومات.. ومعارك جانبية لن تحقق غير الهدم والخراب والأحقاد وإشعال النيران وبالتالي نتراجع أكثر.. ونضعف أكثر.. ونتخلّف أكثر.. وأظن أن الهدف من الثورة أبعد ما يكون عن التورط في متاهات الفوضى والضبابية والضياع. إن الحقيقة التي يجب أن لا ننساها جميعا وفي كل الظروف وعلى مدى الأيام والأعوام هي أن تونس ليس لديها من الثروات إلا ثروة واحدة وهي ثروة كدّو جدّ وإنتاج وعمل واجتهاد وذكاء أولادها وبناتها.. وعندما تتوقف عجلة العمل تنضب تلك الثروة وتضعف وليس لنا من سواها غير الفقر والبؤس.. ولكن يبدو أننا في زحمة الأحداث أو الحماس أو الانفعالات ننسى تلك الحقيقة ونتصرف وكأننا نعيش في بلد يملك مناجم الذهب الأسود والأبيض وبكل الألوان.. ولكن الحمد لله سرعان ما عاد لنا «شاهد العقل» وسرعان ما رجعنا إلى الاعتراف بتلك الحقيقة.. وعدنا الى الواقع والواقعية.. وها أن الهدوء بكل معانيه الآن يفرض علينا نفسه.. إن الأصوات الأخرى بدأت تخفت.. وتأخذ حجمها الحقيقي.. وبدأ صوت الهدوء والتعقّل والاتزان والرصانة هو الذي يطغى.. ويملأ أرجاء تونس من شمالها إلى جنوبها.. إن الثورة.. كل ثورة في العالم تتكوّن من فصلين: فصل أول هو فعل الهدم.. وفصل ثان هو فعل البناء.. وما أشبه ذلك بالحديث النبوي الشريف الذي نطق به سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما استتبّ له الأمر وعاد إلى مكة المكرّمة بعد أن نصره الله وأيّده.. لقد قال: انتهينا الآن من الجهاد الأصغر.. وسنبدأ الجهاد الأكبر.. ونحن كذلك لقد حققنا الجهاد الأصغر وعلينا أن نخوض غمار الجهاد الأكبر وهو أصعب وأطول وأقسى..