ما الذي تغيّر في ملامح المرأة التونسية بعد الثورة؟ كيف أصبحت علاقة المرأة بالرجل؟ هل ارتسمت ملامح جديدة لحدود المسؤوليات؟ كيف هيّ علاقة المرأة بمن يشاركها مع العمل؟ بالشارع؟ كلّها أسئلة تفرض نفسها بعد ثورة 14 جانفي التي لا يختلف اثنان في أنها أحدثت القطيعة مع زمن عاشت المرأة خلاله بعض الضغوطات خاصة منها تلك المتعلّقة بحرية الرأي والتعبير والحصول على حقوقها كاملة في بعض مواقع العمل، وحريّة الانتماء الى بعض الأحزاب مقابل اجبارية اختيارها للانتماء الى الحزب الحاكم عندما ترغب في النشاط صلب بعض المنظّمات. وساهمت المرأة التونسية في ثورة 14 جانفي ايمانا منها بأنها عنصر فاعل في مجتمعها وكانت حاضرة في كل المظاهرات وعرّضت صدرها للرصاص ومنهنّ من حظيت بالشهادة ولعل أصغرهن طفلة عمرها لم يتجاوز ثلاثة أشهر. ولئن راهن النظام السابق على سكوت المرأة على خلفية أنه كان يذكرها ببعض الاجراءات في كل مناسبة ولكن يبدو أن المرأة التونسية كانت في حاجة لمزيد من الحرية والمسؤولية لتعبّر عمّا بلغته من معاناة حقيقية وهي ترى ابنها العاطل عن العمل يمدّ يده في خجل كبير ليحصل على مصروفه اليومي منها بينما تعمل هي بأجر زهيد. كما كانت المرأة في حاجة الى الحرية لتعبّر عن رفضها للتمييز الموجود بينها وبين زميلها الرجل كما كانت في حاجة الى من يحميها من الاستغلال في عملها بالحقل الفلاحي سواء فيما يتعلق بالأجر الزهيد جدا او التعب الكثير. ولعل الأمثلة كثيرة ولكن المعاناة واحدة، أشار الى بعضها الاعلام سابقا عندما يتوفّر له متسع من الحريّة وغفل عن بعضها الآخر. نقلة وانتقال المرأة للديمقراطية في اعتقادنا هو موضوع يستحق الطرح للنظر في مستقبل المرأة والملفات التي يجب طرحها للدرس في الوقت الراهن الآجلة منها والعاجلة ورأت السيدة عائشة التايب أخصائية في علم الاجتماع وخبيرة في المرأة أن المرأة التونسية هي كل مختلف وليس منسجما فهي المرأة الجامعية وهي المرأة العادية وهي المرأة الفلاحية الخ... ولاحظت أن وضعية المرأة بعد الثورة تستوجب منهجية واضحة أي يتعين اعتمادها لعنصر فاعل اجتماعيا مثلها مثل الرجل وبقية مكوّنات المجتمع. وفي علاقتها بالرجل ذكرت أنه الى جانب كل ما تضطلع به فهي لها مسؤوليات أسرية وتتمثل في الاهتمام بزوجها وبأبنائها مع العمل أكثر على تقاسم الأدوار ثم كذلك تحمّل تداعيات تغيّر الوضع لأن الأسرة التونسية بدورها شهدت في تغيّراتها طرق عيشها. واعتقدت الباحثة أن المرأة بعد الثورة مدعوّة أكثر الى التفكير في شأن البلاد والأمن والهندسة العامة للبلاد بمختلف مكوّناتها وألوانها وأصبحت ملتصقة أكثر بسياسة البلاد وتفكّر في الانتخابات بما يفضي الى نوع من الصحوة والوعي الجديد الذي جعلها تتابع الشأن العام والمسائل المتعلقة بالسياسة. ورأت أن القاعدة الكبيرة للنساء سابقا مهتمة أكثر بالمنزل والابناء مع أن البعض يخصّص نصيبا وافرا للشأن العام. ورأت أن الثورة بصدد تغيير العقليات والمرأة أصبحت مجبرة على متابعة الملفات والمناقشة ومعرفة الأحزاب. تأطير وذكرت أن الفاعلين في الساحة السياسية بصفة عامة يجب أن يأخذون بعين الاعتبار تواجد المرأة كشريحة كبيرة حيث كن سابقا مهمشا من ساحة الفعل ولم يكن يعرف واقعهنّ وهؤلاء يجب ان يأخذن بعين الاعتبار في التأطير والبرامج أي القاعدة العريضة. وقالت: «كنا نتحدث عنها ولكن فعليا لم يكن لها بصمة واضحة وهذا يستوجب تدخل الفاعلين في المستوى الاجتماعي والسياسي لادماجها ونقصد بذلك المرأة الريفية، المهمّشة، والقاطنة بالمناطق الحدودية والمناطق التي لا تصالها برامج التنمية. وأضافت أن الأحزاب السياسية مطالبة بالذهاب الى هذه الشرائح لتستمع إليها لأنهم كنّ حاضرات غائبات أي حاضرات على مستوى الخطاب الرسمي لكن الفعل لا». وشدّدت على أهمية العناية بالمرأة التي تقطن المناطق النا؛ئية والتي تجلب الماء من منطقة بعيدة جدا. والمجتمع المدني أيضا يجب أن يشتغل أكثر على هذه الشريحة الأكثر حاجة للاهتمام من غيرهن. وختمت بضرورة ايجاد آليات جديدة لادماجها في الحياة السياسية والاقتصادية للاستفادة والافادة من هذه الطاقات الكبيرة. متنفّس أحدثت الثورة القطيعة لشريحة من النساء مع المعاناة لا سيما منهن زوجات المساجين السياسيين اللاتي فرض عليهن القيام بدور الأب والأم في نفس الوقت دون نسيان محدودية الدخل في غياب دخل الزوج وكذلك الشعور بالألم جرّاء مطاردة العيون والألسن لهنّ في كل مناسبة وأحيانا عزل العائلة لهن خوفا من التهمة وعزوف الشباب عن الزواج من بناتهن. هؤلاء النسوة هن مدينات اليوم للثورة بعودة الروح الى أسرهنّ مع الاشارة الى ضرورة استغلال طاقات الصبر التي تمتلكنها على مرارة الزمن. ومن جهة أخرى توجد شريحة أخرى كانت لا ترى أن آراء النظام السابق هي الأصلح للمرأة وعارضن بن علي رغم ايلاء المرأة حيّزا هاما في خطبه الرسمية. وهذه الشريحة التي اشتكت من الرقابة الدائمة لا سيما منهن المنتميات لجمعية النساء الديمقراطيات يشعرن اليوم بالراحة النفسية وفي المقابل بالمسؤولية تجاه الوضع الراهن وتجاه مستقبل تونس.