لاشيء يعوّض طعم الحرية ولكن من يخطئ يدفع الثمن، والسؤال كيف يمكن ان يتحول السجن من قضبان خانقة للأنفس الى إطار للعيش اليومي القريب من العادي؟ وسجينات سجن منوبة حاولن التعايش مع ظروف السجن وشروطه والامكانيات المتوفرة فيه مع المطالبة بمراجعة العقوبات في اتجاه التخفيف للعودة الى حياتهن العادية «صحيح اخطأنا وارتكبنا الجرائم ولكننا تبنا». هذه الرسالة التي أردنا تبليغها تختزلها اللافتة التي وضعت باحدى الورشات وتتضمن «اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنّا». «الشروق» رصدت انطباعات السجينات واطلعت على ظروف عيشهن في الريبورتاج التالي: تيزاوي هي أقدم سجينة بسجن النسوة قالت مبتسمة: «قضيت فترة حكم بن علي هنا بالسجن: فهل اخرج بخروجه؟ وأضافت: انا مريضة وأطلب العفو وتخفيف العقوبة من جريمة المشاركة في قتل زوجي وأرغب في العودة الى مسقط رأسي ماطر لأني اشتقت اليه كثيرا وأتطلّع الى الحرية. وفيما كنا في جولة عبر الغرف مررنا بما يسمى ب «اللاريا» وهي الساحة التي تتنفس فيها السجينات الهواء خارج الغرف وهي تحتوي على حبل الغسيل لتجفيف ملابسهن كما تعدّ فضاء لغسل الخضر وقطعها طالما انها توجد قبالة المطبخ. ما هو «فطوركم» اليوم هذا السؤال طرحناه على السجينات اللاتي التففنا حول أواني تنظيف الخضر وقطعها: «فقلن الفطور عجة والعشاء مقرونة. للإشارة السجينات المكلفات بالمطبخ يتقاضين كذلك أجرا وتنتمين الى حضيرة العمل اليومي كالتنظيف وتهيئة الحديقة بمقابل مادي. وتشتري السجينات كل ما يحتجنه من مغازة قريبة من غرفهن. أمهات وأجنبيات داخل السجن توجد بعض الأمهات مع أبنائهن يربينهن بين القضبان ربما شعور الأم هنا بالسجن مضاعف لأنها تشعر بالألم تجاه سجنها هي وتجاه سجن إبنها الذي لا ذنب له. ومنهن حنان ميموني وابنتها شهرزاد وداخل سجن النسوة توجد كذلك أجنبيات من روسيا ونيجيريا وعربيات من الجزائر تحديدا. أبيقال كروستينا نيجيرية حكمها 27 سنة قضت منها 9 سنوات. هذه السجينة لها أبناء ولكنها لا تتلقى زيارة الا من ممثلي سفارتها. أملها العفو والعودة الى بلدها. «سيلون» البقاء ب «السيلون» او الحبس الانفرادي هو عقوبة تصدر عن مجلس التأديب ولكن حينما تطأه قدماك تشعر وأن الموت أرحم بكثير ويتملّكك خوف رهيب بالانعزال عن كل العالم لذلك ترى المديرة انه أبغض الحلال ولا تلجأ اليه في كل الأحوال. ولكنها قالت: «أحيانا نتلقى طلبات من سجينات بالدخول اليه لهدف توفير الحياة الفردية التي لا يوفّرها السجن أبدا». وتواصلت جولتنا عبر الغرف لأن لكل غرفة أسرارها ونواميسها فمررنا بالحيطان التي تحتوي على صور للطبيعة فكأن بالسجينة التي رسمتها تطوق لرؤيتها او ربما للسجينات أنهن داخل إطار ليس بمغلق. وكان اصرارنا شديدا على الوقوف امام جميع الغرف حتى تتمكن كل سجينة راغبة في الادلاء بصوتها عبر الجريدة من ذلك. وأمام احدى الغرف التقينا أكبر سجينة سنّا بالسجن عمرها 81 سنة وهي ناجية عمّار التي حكم عليها ب 30 سنة سجنا بتهمة قتل مولود امرأة أخرى قضت منها 20 سنة. قالت: «أنا مريضة أعاني من ارتفاع ضغط الدمّ ومرض السكري والقلب». ومازالت في حكمي بعد التخفيف سنتان فهل يتم فسخها». وبهذا السجن توجد ايضا قضايا تتعلق بقتل أقرب الاقرباء ومنهن سناء التي قتلت أمها وتبدو في حالة نفسية وذهنية غير عادية. وغزا الشيب رأس فاطمة حاجي التي قضت 22 سنة وراء القضبان. وبكت أحلام مباركي وهي تتحدث عن سجنها قائلة: «لم اقترف ذنبا بل ابنة عمتي انتحلت شخصيتي». وأضافت: انا متزوجة ولي ابنة عمرها ستة أشهر فمن يغيثني؟ وأفادت السجينة سعاد دوفاني: اني متهمة في قضية قتل زوجي عمدا ولكني كنت بصدد الدفاع عن نفسي من ضربه المتواصل لي. وقالت فلّة المرزوقي: «تهمتي هي محاولة انتحار لي ولأبنائي توفيت فيها ابنتي التي كان عمرها 10 سنوات. وأضافت رغم ان زوجي منحني إسقاط دعوة الا ان الحكم لازال ثقيلا ولي ابناء آخرون في حاجة الى رعاية. وقضية زهرة حمادي هي القتل لكنه كان دفاعا عن الشرف حيث أراد القاتل اغتصابها. وعموما لاحظنا خلال الحديث الى السجينات اتفاقا حول مسألة واحدة الا وهي مراجعة العقوبة والعفو وعدم التفرقة بين النساء والرجال في التمتع بهما. احاطة نفسية يتوفّر بالسجن مكتب للعمل الاجتماعي من أهم وظائفه ربط الصلة بين السجينة وأهلها. وقالت نور الهدى حبوبي مرشدة اجتماعية: «نقوم بمحادثات مع السجينات اللائي في حاجة الى المساعدة ونساهم في حل المشاكل الاجتماعية خاصة للأمهات». وتقوم الاخصائية هاجر بالحاج كذلك بمحادثات للعلاج النفسي خاصة في حالات اضراب الجوع والاعتداء على الذات وتقع إحالة الحالات المرضية الى مستشفى الرازي. المزيد من الإعلام قالت المديرة بأنها ترحّب بزيارة لاعلاميين وتعتبرها متنفّسا للسجينات كما توجه كذلك بنداء للمنظمات لزيارة السجن وأكدت انه سيتم غدا تنظيم يوم اعلامي بالسجن في إطار الاحتفال بعيد الأمهات. وذكرت السيدة أسماء تومي مساعدتها ومشرفة كليا على الأجنحة أن عملهن صعب ولكنه إنساني.