ماهو معلوم بالنسبة للإنسان بعد وضعه هو تاريخ ولادته وجنسه وما زاد على ذلك فهو غير معلوم خاصة تاريخ وفاته. وبالنسبة للهيئة العليا المستقلة للإنتخابات فما هو معلوم بعد ولادتها وهو تاريخ إحداثها وصفة الاستقلال الخاصة بها وتاريخ وفاتها. أما تاريخ ولادتها فهو تاريخ صدور المرسوم عدد 37 لسنة 2011 الذي أحدثها وهو 18 أفريل 2011. أما تاريخ نهايتها فقد ضبطه الفصل الأول من مرسوم إحداثها عدد 27 لسنة 2011 المذكور وهو تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للإنتخابات. أما صفتها فهي مستقلة وهي صفة تلاحقها وتذكر مع ذكر إسمها؟ وللوقوف على معنى هذه الصفة نلاحظ أن الإستقلال بالنسبة لهذه الهيئة ولو كانت عليا فإنه يبقي شأن الهيئة دون شأن الأصل الذي أحدثها ولا تكون مستقلة وقائمة بذاتها إلا في ممارسة المهام الموكولة لها قانونا دون إمكانية تجاوز الحدود والإمتناع عن القيام بالواجب. وبذلك يتضح أن الاستقلال لا يجعل من هذه الهيئة دولة وسط الدولة وإنما تبقى بذلك هيئة صلب الدولة مستقلة في عملها وتبقى مسؤولة عن عملها عند الدولة وتأكيدا لمعنى الاستقلال بالنسبة لهذه الهيئة نلاحظ أن تاريخ الانتخابات التي أحدثت من أجله هذه الهيئة هو يوم 24 جويلية 2011 حسب قرار الدولة القائم نظامها ولو كانت مؤقتة. من الثابت أن التاريخ الذي ضبطته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهو يوم 16 أكتوبر 2011 هو تاريخ لا يستقيم واقعا وقانونا. أولا : من الناحية الواقعية: أن تاريخ إنتخابات المجلس التأسيسي أعلن عنه رئيس الجمهورية المؤقت الذي بيده السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وأكدته الحكومة المؤقتة وهو يوم 24 جويلية 2011 وذلك قبل أحداث اللجنة العليا المستقلة للإنتخابات. ثانيا : من الناحية القانونية: لئن تضمن الفصل 4 من المرسوم عدد 27 لسنة 2011 المؤرخ في 18 أفريل 2011 والمنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 27 المؤرخ في 19 أفريل 2011 صحيفة 488 أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تتولى إعداد رزنامة الانتخابات فإن لفظ روزنامة لا يفيد إختيار تاريخ الانتخابات وإنما يفيد إعداد وضبط كل الأعمال المادية والإجراءات المتعلقة بوقوع الانتخابات المعلوم تاريخها وهو يوم 24 جويلية 2011. علما وأن لفظ الروزنامة خلا من ذكره لسان العرب لإبن منظور والقاموس المحيط لفيروز أبادي ولعله تركي الأصل لأنه يفيد التقويم وتقسيم الأزمنة وحساب الأوقات وما يتعلق بها وقد تعود الشعب التونسي منذ الاستقلال على أن يوكل لهيئات إعداد روزنامة تتعلق بمواسم هامة عند السلطة مثل احتفالات 03 أوت وإحتفالات07 نوفمبر علما وأن إعداد الروزنامة لا يعطي لصاحبها حق تغيير تاريخ ميلاد بورقيبة أو تاريخ وقوع التحول وشتان بين الثرى والثرية. وعلى هذا الأساس يكون تأخير الانتخابات من طرف الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات أمر خارج عن أنظارها لأسباب ذكرت ولأن في تأخير تاريخ الانتخابات تعمد في إطالة عمر الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وهو أمر مكلف للشعب وفيه عدم إحترام لتاريخ ضبطته السلطة العمومية ولو كانت مؤقتة وهو محسوب عليها. لذلك فإن كل الأسباب التي تقدمها الهيئة لتبرير تصرفها لا تقبل ولو كان مستساغا عند البعض لأن كل عضو في هذه الهيئة بمن فيهم رئيسها وقع إختياره من بين قائمة ترشحات أو إختيارات عند الاقتضاء وذلك قبل تسميته بأمر. وعلى هذا الأساس كان من الممكن لأعضاء الهيئة المستقلة أن لا يترشحوا أو لا يقبلوا إختيارهم للهيئة إعتمادا على عدم القدرة على الإضطلاع بالمهام الموكولة إليهم رغم الإمتيازات والتسهيلات الموفرة للهيئة نذكر منها إستقلالها المالي والإداري والموارد المتأتية من إعتمادات الدولة وميزانية خاصة مصاريفها تحمل على حساب مفتوح باسمها بالصفقات العمومية. وزيادة على ذلك يشترط لعضوية الهيئة التفرغ لممارسة المهام صلب الهيئة رغم مساعدة جهاز إداري ومالي وقتي توفره الدولة وتحدد الهيئة تنظيمه وطرف تسييره ويخضع إلى سلطتها المباشرة. ومن المعلوم أنه مطلوب قانونا من كل السلط العمومية تقديم جميع التسهيلات التي تطلبها الهيئة لأداء مهامها وهي التي تضبط نظامها الداخلي الذي ينظم سير عملها. ولا ننسى الحصانة التي تتمتع بها الهيئة إذ لا يمكن تتبع أو إيقاف رئيسها أو أحد أعضائها من أجل أفعال تتعلق بأعمالهم دون إذن من الهيئة بأغلبية ثلثي أعضائها وقل ربي أنعمت فزد. وفي النهاية فإن الإمتيازات المذكورة تحقق المعجزات والسلام.