الحرس الوطني يدعو ''البحّارة'' إلى الالتزام بالنشرة الجوية البحرية وعدم المجازفة    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    دورة مدريد للماستارز: أنس جابر تواجه المصنفة 35 عالميا في الدور السادس عشر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    حي الغزالة: القبض على مفتش عنه خطير محكوم بالسجن 6 سنوات    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    الاطاحة بعنصر خطير نفذ سلسلة من "البراكاجات"..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    معهد باستور: تسجيل حالة وفاة و4 اصابات بداء الكلب منذ بداية 2024    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    المدير العام للديوانة في زيارة تفقد لتطاوين    إجراء أول اختبار لدواء يتصدى لعدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهمس الصاخب: النشيدان الوطنيان التونسيُ والليبيُ وسبب إلغائهما
نشر في الشروق يوم 29 - 05 - 2011

ظل التونسيون يرددون نشيدا لا يكادون يعرفون كاتبه أو ملحنه وذلك طيلة أيام الكفاح التحريري ضد المستعمر الفرنسي، وقد أصبح يعرف فيما بعد بنشيد الثورة ومطلعه:
حُماة الحِمَى يا حُماة الحِمَى هلموا هلموا لِمجد الزمنْ
لقد صرخت في العروق الدما «نموت نموت ويحيا الوطنْ»
وقد عرفنا، في ما بعد، أنه من تأليف مصطفى صادق الرافعي، الذي عرفناه كاتبا أكثر مما عرفناه شاعرا، وقد ظل التونسيون يرددونه كاملا طوال أيام الكفاح التحريري، ثم اقتصروا على مطلعه وأضافوا في آخره البيتين الأولين من قصيدة «إرادة الحياة» لأبي القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدرْ
ولا بد لليل أن يَنجلي ولا بد للقيد أن ينكسرْ
وقد ارتكبوا في ذلك النشيد المصري أخطاء عروضية مثل: «لقد صرخت في عروقنا الدماء» والأصل الصحيح الذي يقتضيه الوزن: «لقد صرخت في العروق الدماء»، واضطرهم إبدال اسم مصر في قوله: «إلى عزِّ مصر إلى مجدها» باسم تونس إلى تسكين سين تونس للوزن ولا يجوز تسكين أواخر الأسماء كما هو معلوم، وقد غيروا في هذا النشيد بعض كلماته تغييرا عشوائيا لا معنى له وذلك في البيت التالي:
ورثنا سواعدَ باني الهرمْ صخورا صخورا كهذا البِناءْ
والمعنى جميل وواضح، أما التحوير الذي قام به التونسيون فلا يعطي له أي معنى:
ورثنا السواعدَ بين الأممْ صخورا صخورا كهذا البِناءْ
فقد أصبح معناه أننا ورثنا السواعد وحدنا دون جميع الأمم، فكل الأمم ليست لها سواعد، أما نحن فقد ورثناها وحدنا دون سوانا، وهذه السواعد قوية جدا فهي صخور صخور مثل «هذا البناء»، واسم الإشارة هنا لا يشير إلى شيء مذكور في البيت، بينما كان الشاعر يشير إلى «صخور الهرم» الأكبر الذي ما زال يعد أحد عجائب الدنيا السبع.
وبمجرد استقلال تونس وانتقالها من الملكية إلى الجمهورية، سعى الزعيم الحبيب بورقيبة إلى وضع نشيد رسمي تونسي صميم شعرا ولحنا، فأقيمت أولا مسابقة بين الشعراء التونسيين فاز فيها الشاعر جلال الدين النقاش بالكلمات، ثم أجريت مسابقة ثانية بين الملحنين فاز فيها الموسيقار صالح المهدي الملقب بزرياب بلحن هذا النشيد الذي أصبح نشيدا رسميا تُفتتَحُ وتختتَمُ به الإذاعة ثم التلفزة طيلة أيام رئاسته، ومطلعه:
ألا خلدي يا دمانا الغوالي جهادَ الوطنْ
لتحرير خضرائنا لا نبالي بأقسَى المِحنْ
نخوض اللهيبْ بروح الحبيبْ زعيم الوطنْ
وقد كان في الأصل: «بظل الحبيب» فغيّره بورقيبة، منبِّهًا إلى أن «ظله» سيزول بوفاته، لكن «روحه» ستبقى بأعماله التي قام بها قبل الاستقلال وبعده، ولكن هذا النشيد ظل مهددا بالزوال لشيوع نشيد الثورة على ألسنة المعارضين، نظرا لطول مدة حكمه وعدم تمكنه من الاستجابة لمطالب الشعب بجميع فئاته، كثرت المعارضة وظل الدعاة للتظاهر ضد نظامه ينشدونه حتى كاد يصبح النشيد الرسمي للمعارضين ولم تستطع السلط أن تسكتهم أو تمنعهم من إنشاده، لذلك تبناه القائمون بانقلاب 7 نوفمبر 1987 بأخطائه التي أشرنا إلى بعضها، وذلك لكي لا يتركوا للمعارضين نشيدا متغلغلا في أعماق الشعب، وهكذا افتكوه من أفواههم، ولم يسعوا إلى وضع نشيد جديد ضاربين عرض الحائط برغبة كثير من الشعراء والموسيقيين بإنشاء نشيد جديد تونسي شعرا ولحنا.
وأود أن أتساءل أخيرا: «لو خلا هذا النشيد من اسم «الحبيب» أ كان القائمون بانقلاب 7 نوفمبر 1987 يُبقون عليه أم أنهم سيزيلونه مهما كان محتواه لأنه يمثل عهدا معلوما؟
وبالمناسبة أتساءل: لو أن النشيد الليبي الذي ألفه البشير العريبي ولحنه محمد عبد الوهاب، والذي جاء فيه: (حيِّ «إدريس» سليل الفاتحينْ / إنه في ليبيا رمزُ الجهادْ / حمل الراية فينا باليمينْ / وتَبِعناه لتحرير البلادْ / فانثنى بالمُلكِ والفتح المبينْ). أقول: «لو أن هذا النشيد كان خاليا من اسم «إدريس» ملك ليبيا، أ كانت ثورة 1 سبتمبر 1969 ستبقيه أم تعوضه بذلك النشيد المستورد من مصر والذي مطلعه: «الله أكبر فوق كيد المعتدي» والذي ألفه الشاعر «محمد شمس الدين» فيما أذكر أيام الاعتداء الثلاثي على «أرض الكنانة» إثر تأميم عبد الناصر لقنال السويس صيف سنة 1956 وهو نشيد لا يشتمل على مكونات الأناشيد الرسمية.
ومعلوم أن إقحام اسميْ حاكميْ تونس وليبيا، في النشيدين المذكورين حسب المواصفات التي وضعها المعلنون عن المسابقتين المذكورتين كان سببا في إلغائهما فور الانقلابين اللذين وقعا في القطرين الشقيقين، فقد كانا يحملان شهادة موتهما ضمن شهادة ميلادهما، ولو وقع الاكتفاء بالتغني، في الأول، بتونس، وفي الثاني بليبيا فقط لا غير، لكان في الإمكان أن يستمرا في الحياة، وإن كان الانقلاب على كل شيء في الانقلابات واردا أو راجحا أو حتميًّا، ولهذا يجب أن يتخلى الحكام، في مثل هذا المقام، عن أنانيتهم في مستقبل الأيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.