تحذير لكلّ تونسي: حتى الإعجاب بالمنشور يعرّضك للمسؤولية القانونية، خليك واعي!    ميزان الدفوعات في أفق 2026: استراتيجية لتعزيز الاستقرار المالي والصمود الاقتصادي    تنظمها سفارة إيران عشية اليوم: رهان تحرير القدس محور ندوة فكرية    عاجل: اليوم آخر أجل لخلاص معاليم الحج...فرصتك في الساعات القليلة القادمة    عاجل: هذا موعد الأيام البيض لشهر رجب    وليد الركراكي:"من الآن فصاعدا كل المباريات ستكون بمثابة نهائي"    من يمكنه الاستفادة من الكراء المملك في تونس؟    سحابة شمسية قوية تصل الى الأرض ليلة راس العام: علم الفلك يكشف التفاصيل    السعودية تدعو الإمارات إلى الاستجابة لطلب اليمن بمغادرة قواتها    حركية سياحية هامة بنابل–الحمامات خلال عطلة رأس السنة    عاجل: هذه القناة العربية مفتوحة مجانية لنقل ماتش تونس تنزانيا    هل تحارب الفوترة الإلكترونية الاقتصاد الموازي أم تعمّق أزمة المؤسسات؟    شركة عجيل تنتدب عدّة إختصاصات: سجّل قبل 20 جانفي 2026    عاجل/ في أول تصريح لها: والدة الطفلة التي دهستها حافلة قرب شلالات بني مطير تكشف..    حمام الأنف: الكازينو التاريخي باش يترمّم ويرجع يلمع من جديد ...شوفوا التفاصيل    على هامش اشغال اللجنة المشتركة التونسية السعودية ، وزير الإقتصاد يجري لقاءات ثنائية    علاش نحسّو شهر ديسمبر طويل؟    عاجل: فطر قاتل مقاوم للدواء ينتشر في 61 دولة ويهدد الصحة...شنوا الحكاية ؟    كونكت تطالب وزارة التجارة بتخفيض سعر القهوة وتحذّر من سيطرة المهربين على القطاع    عاجل/ بعد فضيحة اللحوم الفاسدة التي تم توريدها..الملف يحال الى القضاء والرابحي يفجرها ويكشف..    المسدي تنشر إجابة رئيسة الحكومة في ملف الصحفيين القطاري والشورابي    السجن لمنفذ عملية "براكاج" لطالبة..وهذه التفاصيل..    تونس تحدّد سقف الفوائد على القروض الصغيرة: شنوا يعني هذا للمواطن؟    أفلام عربية متفوّتهاش ليلة رأس العام    خلال حملة مراقبة: حجز 100 خبزة مرطبات بهذه الولاية..#خبر_عاجل    عاجل: شهر رمضان يتكرر للمرة الثانية في عام واحد    تونس من بين الدول المعنية به..تعرف على موعد أطول حالة ظلام دامس بالأرض خلال قرن..    كاس امم افريقيا (المغرب 2025) : برنامج مقابلات اليوم الثلاثاء    حصيلة أبرز الاحداث الرياضية لسنة 2025 (الثلاثي الثالث)    غارات وقصف مدفعي على مناطق مختلفة من غزة    ساعة ماسية تخطف الأنظار.. معصم رونالدو حمل ثروة في حفل دبي... التفاصيل    ابرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزير النقل..    طقس اليوم: أمطار متفرقة مع انخفاض في درجات الحرارة    هروب جماعي من مصحة لمعالجة الادمان..ما القصة..؟!    حجز منتجات بحرية فاسدة بمطعم فاخر في سوسة: صاحبه ق يُواجه السجن    راس العام في الدار؟ هذي أفلامك باش تضحك وتفتح العام الجديد بالفرحة    حضور مميز لمندوبية التربية بجندوبة في احياء الخط العربي    عاجل/ خلال لقائه وزير الفلاحة ومدير ديوان الزيت: رئيس الدولة يدعو للتصدي لهؤلاء..    عاجل : 6 منتخبات تودع رسميا الكان ...شوف شكونهم    كأس أمم اقريقيا: شوف شكون ضدّ شكون اليوم ووقتاش    تونس تحتفل بكأس إفريقيا للأمم مع مبادرات TotalEnergies لتعزيز الإدماج والمشاركة    عاجل : وفاة أول امرأة تقود بنغلاديش خالدة ضياء عن 80 عاما    ڤريب الشتاء: كيفاش تتعدى، قدّاش يدوم، ووقتاش يلزم تمشي للطبيب؟    رئيس الجمهوريّة :الفلاحة جزء من الأمن القومي التّونسي، والواجب الوطنّي المقدّس يقتضي تذليل كلّ الصّعوبات خصوصا أمام صغار الفلاّحين    سامي الطرابلسي: سنواجه تنزانيا من أجل الفوز وليس التعادل    مرطّبات ولحوم وأسماك فاسدة قبل ساعات من رأس السنة.. هيئة السلامة الصحية تكشف حصيلة رقابية مقلقة    «صاحبك راجل» في القاعات المغربية    ترامب: "حزب الله" يتعامل بشكل سيئ وسنرى ما ستسفر عنه جهود نزع سلاحه    الضحية طبيب نفسي تونسي مشهور في فرنسا .. يقتل والده ويدفنه في حديقة المنزل    طقس الليلة    الدورة 40 لمعرض تونس الدولي للكتاب: تواصل قبول الأعمال المرشحة لجوائز الإبداع الأدبي والفكري وجائزتي النشر إلى يوم 30 جانفي 2026    بقرار قضائي.. هيفاء وهبي تعود إلى الغناء في مصر    وزير التربية يعلن 2026 سنة مطالعة    رياض دغفوس : المتحوّر "K" المتفرّع عن فيروس H3N1 لا يشكّل خطورة أكبر من غيره ويجب الالتزام بالإجراءات الوقائية    ديوان البحرية التجارية والموانىء ينتدب تونسيين    هام/ 6 مؤشرات أساسية لتطمئن على صحة قلبك..    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنشودة الاستقلال : العجمي الوريمي
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 03 - 2010

من آخر الدول القادمة إلى الاستقلال، إذا استثنينا من الاعتبار الجلاء الإسرائيلي عن غزة والانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان كخطوتين نحو نيل الاستقلال أو نحو دعمه، كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو حيث اقترن الاستقلال لا باسترجاع السيادة والكرامة وإنما بحق الحياة إذ وضع حداً لعمليتي تطهير وإبادة عرقيين لم تعرف البشرية في قرننا الماضي أشد منهما بشاعة وأكثر شمولا، إلا جرائم النازية والقتل بالدم البارد في صبرا وشتيلا، أو التقاتل الوحشي بين الإخوة الأعداء في رواندا وبورندي.. وفي جميعها كانت اليد البيضاء الغربية مورطة تخطيطا وإدارة وتنفيذا أحيانا. وكلما كان الرهان حضاريا وثقافيا كان الفتك أشد والتنكيل أبشع. ولأن على كل تحدٍّ حضاري رداً من مثله، شكلت المقاومة بكل أبعادها جوابا فوريا على الشر المطلق الموشى بحلل العلم والتقنية والتقدم وبحيل العقل والحرية والتنوير.
أنشودة الاستقلال التي تصور ملحمة الغضب وملحمة الأمل هي بمثابة الدستور الروحي الذي يرتقي إلى مستوى الرمز ويسبق الدستور القانوني الذي يُنشئ المؤسسات وينظمها. ولو أن أحدهم جمع موسوعة الأناشيد الوطنية وما شابهها من الأغنيات التي تعبر عن الجماعات في أطوار بنائها ومنعطفات تحررها لوجد يقينا ثروة معنوية ورمزية تقدم صورة صادقة عن مسيرة الإنسانية في جهادها من أجل البناء والتحرير والكرامة والإخاء. فمن مقتضيات بناء الحركة التحريرية وجود القيادة والتنظيم وبرنامج النضال ومن متمماته ومستلزماته وجود الشعار والعنوان والراية والنشيد.. هكذا الإنسان في علاقته بالمعنى، هكذا نمط وجوده.
أذكر ونحن طلاب في الجامعة أن الحركة الطلابية والنقابية وتنظيمات المعارضة كان لها نشيدها الموازي للنشيد الرسمي، وكل منهما يعبر عن موقف وعن مرحلة. ففي حين كان مطلع النشيد الرسمي:
(ألا خلدي يا دمانا الغوالي جهاد الوطن لتحرير خضرائنا لا نبالي بأقصى المحن)
كانت الأبيات الأولى من النشيد الموازي:
(حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن
لقد صرخت في عروقنا الدماء نموت نموت ويحيا الوطن
إذاً الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر)
وحينما سقط النظام أمام الانتفاضة الشعبية بتغيير من الداخل، كان من أول القرارات التي اتخذها الحاكمون الجدد في تونس تغيير النشيد الرسمي أو بالأحرى إحلال الموازي محل الرسمي في خطوة تصالحية بين الدولة والمجتمع. فأنشودة الوطن إما أن توحّد كل أبنائه أو لا تكون، فالاستقلال هدية الوطن الموحد إلى أجيال المستقبل ولكن قصة الاستقلال في كل قُطر هي إما قصة ملحمية أو تراجيدية.
إن أكبر حلم طمحت إليه الشعوب في عصرنا وأعظم إنجاز وُفقت إليه هو الاستقلال إذا كان فاتحة عهد جديد من الكرامة والحرية والإخاء والتضامن، ذلك أن بعض الاستقلالات اغتيلت عند التوقيع على وثيقتها كما حدث لثورات كانت سخية في عدد شهدائها واستثنائية في حجم بطولاتها. فالاستقلال صياغة جديدة لهوية وتأصيل لكيان وبعث لشخصية وخروج من عقدة النقص وتغلب على قابلية الاستعمار أي إنشاء لقابلية التعويل على الذات ودخول مرحلة الرشد ورفض الوصاية.
الاستقلال أخذ بزمام المبادرة ووضع لمصير بين أيد واثقة وانعتاق لعقول حرة وسيادة على المكان وسيطرة على التاريخ وانفتاح على المستقبل وتجسيد لشعار وتدشين لبرنامج وتغلب على العجز وإيقاف لمسلسل التراجع واقتحام للعصر وحرث لأرض بكر وتفجير لمنابع الخير وميلاد لمجتمع وإطلالة فجر جديد.. الاستقلال اتحاد السواعد من أجل البناء، هو توسيع لآفاق واحتضان للممكن وضخ لدماء الشباب، هو أنشودة جماعية وذاكرة جماعية، هو ابتسامة الباطن وانفراج الظلمات وذهاب غيض القلوب.. فرحة الروح.
الاستقلال امتلاك للشمس وامتزاج بالبحر واتحاد الماء والريح والرمل، التقاء الفرح والدمع، تحليق الشكر بين القلب واللسان والمدى. الاستقلال استئناف لبدء واستدعاء لأمل، الاستقلال إغداق أسماء الشهداء على الشوارع وأسماء المعارك الكبرى على الساحات العامة أو تحويل ساحات المعارك الفاصلة إلى ميادين للذكرى والفرح والانتشاء.. الاستقلال إطلاق أسماء الشهداء على الأبناء واتحاد الشهيد والوليد وتحويل الدماء الزكية إلى رموز خالدة.. ولأن بعض معاني الاستقلال قد تذبل قد يتحول إلى اقتتال أو انفصال، حدث ذلك في أفغانستان ويحدث في اليمن. يرحل الاستعمار ولكي يُنسينا جرائمه يغرينا بجرائمنا، وعوض أن نشهد عليه يشهد بعضنا على بعض.
الشهادة كلمة مفتاح في قاموس الكفاح التحريري، والتنمية كلمة ركن في تصور البناء الاستقلالي، والحرية حلقة الربط بين كفاح التحرير وبناء الدولة الجديدة. وكلما أوهنت عروة الحرية وهي العنوان الأصلي أو الفرعي، لا فرق، للكرامة هُضمت حقوق الأجيال التي ضحت بالغالي والنفيس، وحقوق الأجيال المستأنسة بتلكم التضحيات والمستصحبة لها. فإذا انطمست آثار التضحيات، ثمن الحرية الغالي، ولم تبق حتى أطلالها وتمدد ظل الاستبداد؛ أصبح الاستقلال مهددا وأنشودته الخالدة كلمات جوفاء.
تذكر كاتبة تونسية في تعليق لها على ذكرى عيد الاستقلال في تونس ما ينطبق على كافة الأقطار العربية، وللنساء في الاستقلال رأي فلهن فيه نصيب ومن أجلهن أُنجز وبهن يستمر، ولا تُرى الحقيقة بعين واحدة، تذكر «أن آخر قضية تعني جُل شبابنا (وتقصد اليوم) هي المسألة الوطنية» وهي تشك في أن أحد شبابنا يمكن أن يُضحي وبتعبيرها أن يذهب «إلى الموت برباطة جأش وشجاعة من أجل فكرة من أجل حلم. لنكن صادقين، هل تتصورون بعضا من شبابنا يفعل ذلك اليوم من أجل هذا الوطن؟» مثلما كان يفعل ذلك الثوار زمن الاستعمار، فالنشيد الذي كان السابقون يترنمون به فيملؤهم حماسة ووطنية ينشده تلاميذ المدارس كل صباح معتبرين إياه عقوبة وعملا مملاً بلا معنى.
إن القضايا القومية والدينية لا تزال تحتل مكانة بارزة في اهتماماتنا واهتمامات شبابنا، ولكن الاستقلال القُطري تحديدا برموزه وتاريخه وراياته وأناشيده فقد الكثير من مدلوله ومن تأثيره الإيجابي، فالقضايا الكبرى إما قد زُيفت كأن يصبح الرهان الكروي قضية سياسية بامتياز فيها تُختزل كل قضايا الوطن، وقس عليها المسابقة في ستار أكاديمي وما شابهها، أو أنها -أي القضايا الكبرى كقضية فلسطين أو احتلال العراق- تُطرح في تعارض مصطنع ومقصود مع القضايا القُطرية وعلى حسابها، وليس ذلك بسبب ضعف الوعي بجدلية القُطري والقومي وبمضمون الوطني والديني، بل بسبب انخفاض سقف الاستقلال رغم ارتفاع هامات الشهداء الذين ضحوا من أجله. فالاستقلال انتقل من مستوى المصير المشترك والتضامن العربي والإسلامي المنشود إلى مستوى المسار المنفرد الانعزالي في ركاب القوة الاستعمارية المنسحبة أو القوى الهيمنية الوريثة والمتوثبة في تحالف بين قطاع أقلي من نخبة الاستقلال مع المراكز الغربية على حساب القطاع الأوسع من الوطنيين الصادقين الذين هُمشوا بالتهام الدولة الجديدة للثورة وتراثها وبرنامجها. فمنعطف الاستقلال في تاريخنا العربي المعاصر هو منعطف انقسام الحركة الوطنية الذي يترجمه النشيدان الرسمي والموازي في انتظار استئناف مسار وحدتها بالمصالحة الحقيقية بين الدولة والمجتمع في أفق وحدة المصير ووحدة القضايا القُطرية والقومية. وفي انتظار ذلك ستمر فترة يشعر فيها شبابنا أنهم في مفترق أو بلا وجهة لأن الاستقلال لم يعد يمثل عنوانا يُشد إليه الرحال تفديه الأنفس والأرواح.
العرب
2010-03-23


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.