وجدت الثورات العالمية الكبرى مبدعين استطاعوا التعبير عنها بجمالية مفرطة وبأساليب عانقت أقصى ما يمكن أن يصله الابداع الانساني من تعبيرات هي الرقي ذاته، ولعلّ من هذه الثورات من خلّدت بسبب سنفونية أو ديوان شعر أو لوحة... نطق إبداعها بالثورة ولكنه لم يقف عندها بل هو جعل من حدث الثورة مطية لما يأخذ الألباب ويحرّك الأذواق ويلهم الوجدان. والثورة التونسية عظيمة في إنجازها وفي وسائلها وفي مطالبها لذلك هي تحتاج في تعبيرات المبدعين الى جمالية قصوى تتجاوز محدودية تلك الشعارات النضالية المعتمدة بالأساس على الحماسة وبريق الشعارات عوض أن تعتمد على بريق الابداع وقوة القدرة التعبيرية الجمالية. وقد خلّد التاريخ آثار الكتاب والشعراء والرسامين والموسيقيين العظام الذين وهبوا في مجالاتهم قدرات تعبيرية خارقة أكثر ممّا خلّد أولئك الذين كانت نبرتهم الشعارية عالية وكانت في المقابل قدرتهم الابداعية متوسطة. إلاّ في ما ندر من حالات استطاع أصحابها أن يجمعوا بين الأمرين. والمتأمل في الساحة الثقافية التونسية بعد الثورة يجب أن يقف منطقيا على حراك فني خصوصا أن من شعارات الثورة ضرورة تفعيل دور الثقافة في المجتمع خاصة تلك التي تقوم على بلورة الرؤية المستقبلية للعقل التونسي وعلى تشكيل الذائقة المستقبلية للتونسي. والثورة التونسية طرحت مفهوم التغيير بشكل واسع سياسيّا واجتماعيّا وثقافيا لذلك، فإنه على المبدعين أن يشعروا بأهمية دورهم وأن ينكبّوا على إبداعات تواكب هذه الهزّة الروحية والوجدانية التي أحدثتها الثورة في النفوس وحول الثورة والابداع حاورنا بعض الوجوه الناشطة في المجالات الفنية. الدكتور محمد القرفي: الأحزاب تجاهلت المشاريع الثقافية الثورة لم تضف شيئا... ولم يتغير شيء... الكل باق على حاله، بل بالعكس هناك شبه عزوف عن الحياة الثقافية... هناك أجندات سياسية وبرلمانية لا غير. والغريب أن 81 حزبا في تونس لا واحد منهم لديه مشروع ثقافي... الجميع مهتم بالسياسة على حساب العمق الثقافي لا وجود لمشروع عمل ثقافي يوثق لهذه الثورة وعلينا كفنانين القيام بدور فاعل وفعّال. كل واحد يضيف ما يستطيع اضافته... الثورة لحظة استثنائية في حياة الشعوب فعندما نعود الى التاريخ نلاحظ أن الثورات التي مرّت على البلاد التونسية متباعدة ومنذ ثورة 1952 التي اندلعت لمناهضة الاستعمار جاءت هذه الثورة في ال2011 وحتى عندما تتكرّر هذه الثورات تختلف المطالب حسب الزمن. لذلك اللحظات الاستثنائية يجب أن يكون فيها قطع مع الماضي. المسرحي نورالدين الورغي: الحريات سوف تخلق الابداع لم يكن المسرح منذ 3 عقود في قطيعة مع هموم ومعاناة الناس ولم يكن بعيدا عن الاهتزازات والارتجاجات التي مرّت بها تونس، فكان دائما متلهفا معبّرا عن تطلعات جميع طبقات وفئات وطننا العزيز رغم وسائل الضغط والرقابة التي كانت مسلطة عليه كسيف «دامو قليس» والتي كانت تحدّ من الابداع. وبعد ثورة 14 جانفي أعتقد ان الكاتب والممثل والمجتمع المسرحي سيجدون المجال أوسع وأرحب وأقل ضغط للدفاع عن مكاسب الثورة ويبقى المسرح دائما وأبدا يمتاز بنظرته الاستشرافية لأنه يبقى دائما وأبدا متطلعا الى الأفضل ويبقى دائما غير راض عن اللحظة التي يعيشها وهذا ما يمتاز به الفن المسرحي ولهذا السبب سمّي «مرآة الشعوب». سامي بن عامر ( فنان تشكيلي): التأثير سيأتي لاحقا قمت بعمل سيعرض في معرض الفنون التشكيلية قريبا وهذا العمل يحمل ملامح الثورة لكن تأثير الثورة الفعلي على مستوى الإبداع سننتظره لاحقا نحن نعيش الثورة من الداخل أما على مستوى المضمون سوف تبرز ملامحها في الفترة القادمة. وما ينتظره الفنان التشكيلي من هذه الثورة أن يكون القطاع منظما وفي الماضي كانت هناك نضالات سبقت كالمطالبة بحقوق الفنان التشكيلي والورشات والحريات...طلبات تطرقنا إليها لكن ما ننتظره هو أن تأخذ هذه المطالب بعين الإعتبار حتى يصبح القطاع في مستوى تطلعات الفنان. الفنون التشكيلية في بلادنا لها تاريخ لكن الوضعيات ليست في مستوى التطلعات هناك عمل كبير ينتظرنا نتمنى من الثورة ومن تونسالجديدة أن تفتك موقعا للفن التشكيلي. نجاة العدواني: نقلة نوعية للتجربة الإبداعية كل تعبير يفرز نقلة بالنسبة إلى التجربة الإبداعية للكاتب وهذه الثورة غير المنتظرة هناك من يقول إنها ثورة تلقائية لكن في الواقع هي كانت نتيجة تراكمات إبداعية. ونحن لاحظنا أنه طوال 50 سنة كانت كل الإبداعات تنظر إلى هذه الثورة وهذه إبداعات نابعة من عمق القضايا الانسانية هذا ما قبل الثورة لكن الذي بعدها سيكون تأثيره كبير لأن ما حدث على أرض الواقع التونسي أثر وسيؤثر على المبدع. وعلى سبيل المثال لنأخذ الشهيد محمد الدرة الذي كتبت عملية استشهاده عديد القصائد فهل أحسنت تلك القصائد لهذا الشاب؟ أنا أرى أنها أساءت له من حيث لا يعلم كتاب القصائد. نفس الشيء بالنسبة للثورة التونسية هناك نصوص وروايات حول الثورة لكنها لا ترتقي إلى جمالية الكتابة الإبداعية. عندما دوّن الكتاب الروس الثورة الروسية بطريقة إبداعية خلدوا عظمة هذه الثورة...لكن ما يحصل اليوم في تونس هو إساءة للثورة التونسية . ناصر خمير (سينما): بلد دون فنان ليس له روح... الثورة خلقت فينا أكثر مسؤولية ومنحتنا الكثير من الحرية لذلك نحن اليوم مجبرون على التفكير في برنامج جديد. في الماضي كنا مسؤولين عن الأرض التي نشتغل عليها فقط لكن اليوم نشعر أن المسؤولية تشمل البلاد كلها... كنا نعاني من الصنصرة وانعدام الحرية حتى من داخل هيكلة الوزارة، لكن بعد الثورة أشعر أن الأمور تغيّرت لذلك أنا الآن بصدد إعداد كتاب جديد حول الرؤية المستقبلية... فالإنسان باستطاعته أن يساهم في الميدان الفكري والثقافي سواء بالكتابة للمسرح أو السينما أو غيرهما من الفنون الأخرى... يجب أن ننهض بالعقل ونستغل الحرّيات من خلال فكر تقدمي نزيه... فكر محبّة وخلق... الحرية وليدة الثورة وهي التي خلقت المسؤولية لذلك فهما متلازمان... نحن في فترة بناء مستقبل مشترك وهو ما استوجب توظيف الفن من أجل التغيير... فالمستقبل المشترك ليس فرجة وعلاقتنا بالموروث سوف تتغير، ومن النقاط المهمة العدالة في العمل والقطع مع كلمة «منعوني» هذه أول خطوة للحرية... ميزة الفنان أنه روح البلاد وبلد دون فنانين ليس له روح.