عويشة الباردي عجوز جاوزت الستين من عمرها جاءت الى «الشروق» محملة بهموم عشرية كاملة انتظرت فيها أخبارا تأتيها لتطمئنها عن ابنها ميتا كان أو حيّا رافضة تصديق الرواية الرسمية لوفاته منتحرا لغياب كل الاسباب الدافعة لذلك. وحسب رواية عويشة فقد تزوج ابنها فتحي سنة 1986 من امرأة فرنسية قضى معها في تونس سنتين قبل ان يغادر البلاد معها مهاجرا الى فرنسا ليستقر بمدينة «سرجي بونتواز» (Cergy-Pontoise) ويفتح مطعما نجح في إدارته وكون منه ثروة هامة جعلته يملك عقارات وأراضي في فرنساوقابس. وبعد ست سنوات من زواجه قرر الانفصال عنها وطلقها سنة 1992 ليعود الى موطنه ويتزوج بعد سنة واحدة فتاة «قابسية» أنجبت له طفلين لم يبلغ أصغرهما الحلم بعد وفي طريق عودته الى تونس (2 اوت 2002 ) لختان ابنيه اختفى فتحي بطريقة غامضة ولم يعثروا له على أثر. اختفاء مريب من الباخرة وتواصل العجوز الملتاعة روايتها بعد تنهيدة طويلة مغالبة دموعها «حسب رواية شهود عيان ممن كانوا معه على متن باخرة قرطاج فقد كان يستمع الى عدد من الاغاني التنشيطية حينما تذكر حاله في الغربة وظروف مغادرته لوطنه فأخذ يسب الاوضاع القائمة والمتسبب فيها وبعد لحظات جاءه رجل من امن الباخرة لتهدئته ليختفي بعد ذلك تاركا وراءه اسئلة غامضة لم تجد لها اجابة». «أحد المسافرين ممن يعرفون ابني وعندما لاحظ غيابه طلب من ربان الباخرة التوقف للبحث عنه ودامت العملية اكثر من 6 ساعات قام خلالها الطاقم بعمليات بحث واسعة داخل الباخرة وتمشيط محيطها عن طريق غواصين ورجال انقاذ ولكنهم لم يعثروا الا على احد زوجي حذائه في ركن من الباخرة فيئسوا من ايجاده حيا او ميتا وواصلوا رحلة العودة دون ان يتمكنوا من تفسير غموض الحادثة». وتضيف عويشة متذكرة ما عانته من انتظار «وكان منذ خروجه من فرنسا يهاتفني ليعلمني بمكانه ولكن في اليوم الثاني لرحلته انقطعت مكالماته وانتظرت عودته بفارغ الصبر حتى مر موعد قدومه فقررت الذهاب الى بيت اهل زوجته التي سبقته الى قابس منذ اوائل جويلية واخبرتها بهواجسي فطمأنتني مؤكدة انه سيطل علينا في أي لحظة وقد تكون بعض المعاملات الديوانية قد اخرته بحكم ما حمل معه على سيارته من هدايا وامتعة». ابني كان محبا للحياة... وتواصل العجوز حديثها والالم يعتصر قلبها «لم اصدق كلمات زوجة ابني واحسست داخلي نذير شؤم قريب فرجعت الى منزلي وانا اسال الله اللطف في قضائه واحسست جمرا يحرق فؤادي ولم استطع النوم ليلتها حتى أتاني خبر وفاته منتحرا غرقا في عرض البحر». «خبر لم اصدقه لعدة اسباب اولها ان ابني كان محبا للحياة الى ابعد الحدود ولم تكن له مشاكل مادية او نفسية او عائلية باستثناء بعض الخصومات العادية مع زوجته كما انه كان يهاتفني في طريق عودته من حين الى آخر ويؤكد رغبته في ان يفرح بختان ابنيه في موطنه... ولم اصدق الرواية الرسمية ولا زال الامل يراودني ويدفعني الى الوقوف يوميا في شباك المنزل في انتظار اطلالته بل اني اخرج يوميا من حين الى آخر الى الزقاق وانتظر طويلا دون جدوى فادخل مضطرة في انتظار يوم قد يأتيني بخبر عنه». «وبعد اشهر سمعنا بخبر العثور على جثة حملها البحر الى شاطئ المهدية فتوجه ابني عادل ولطفي صحبة والد زوجة ابني فتحي واحد الجيران ورغم ان ملامح الغريق لم تكن واضحة فقد امكن تبين انها لا تخص ابني خاصة لغياب ضرسين من اضراس الغريق ولتاكيد الطبيب ان صاحب الجثة كان رياضيا لا يدخن في حين ان ابني كان كثير التدخين». وتختم عويشة قصتها «زوجة ابني لم تنتظر طويلا واستخرجت شهادة وفاته لتعود الى فرنسا وتتزوج واحدا ممن كانوا يعملون لديه وهو ما فاجأني وقد حاولت بكل الطرق معرفة حقيقة ما حصل في الباخرة بمراسلة وزارة الداخلية ولكن الاجابة كانت دائما واحدة بل ان اغرب ما اجابتني به وزارة الخارجية ان ابني وحسب وثائقها لم يدخل فرنسا او يخرج منها!» «اجابة جعلتني أتأكد ان وراء موت ابني أسرارا كبيرة ونقاط استفهام كثيرة لم اجد لها اجابة رغم انني طرقت كل الأبواب الممكنة لمعرفة الحقيقة ولن أيأس من متابعة البحث للوصول الى كيفية اختفاء ولدي».