يوسف الحناشي (باحث جامعي وكاتب) نعم! إنها لمأساة مؤسفة حين يقدم الجار على قتل جاره، وحين تُسال دماء أبناء الجهة الواحدة والوطن الواحد.. والأسباب تظلّ تافهة وواهية.. وكنّا نعتقد أن «العروشيّة» و«القبليّة» نزعة زالت الي الأبد مع انتشار التعليم وصفاوة طينة الوطن لأن الشعب التونسي، في نهاية الأمر، لا يعاني اختلافات دينية من باب الملل والنّحل، ولا عرقيّة.. وأهل المتلوّي قلعة من قلاع مقاومة الاستعمار الذي حاول استغلال «العروشيّة» وزرع الفتنة بين أبناء الجهة الواحدة.. وهذه ليست المرّة الأولى التي يُراق فيها دم الاخوة لمجرّد مشاكسات حقيرة، دنيئة.. وكأنّ الجهة فقدت خطاب التعقّل والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.. هذا الوضع يذكّرني بتصريح للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه اللّه لصحيفة «لوموند» الفرنسية في الستينات بعد اكتشاف مؤامرة الشرايطي وجماعته إن صحّ ذلك قال إنه يواجه نزعات العروشيّة والقبائل الرّاكدة في أعماق شعب (كان عندها لا يتجاوز المليون والنّصف)، وأضاف أن الردّ الحاسم هو الأنسب في هذه الحال. وأنا، بالطبع، ضد استخدام الرّدع والقوّة وأوجّه نداء الى أهالي المتلوّي عامة والى منظمات المجتمع المدني والى الأحزاب التي تطالب بتأطير حياة المجتمع وكذلك أجهزة الدولة المدنيّة الى إيقاف هذا النزيف وإخماد هذه الفتنة الكأداء والتحاور مع الأهالي مباشرة، فنحن ننادي بحوار الحضارات والثقافات بين الأمم والتكتلات فهل تصبح المسألة ضرورية لأبناء الجهة الواحدة والمعاناة الواحدة والتطلّعات الواحدة؟ ماذا جرى يا أولاد بويحيى والجريدية ومنكم شعّ نبغاء وعلماء بلغ صيتُهُم أصقاعا نائية كمحمد الخضر حسين وأبي القاسم الشابي وابن الشبّاط والشاذلي بويحيى الذي ينحدر أصله منكم؟ ماذا جرى يا أهل المتلوّي حتى تلطّخوا صورة الوطن الناصعة، صورة ثورة الكرامة، الثورة النظيفة والعالم يهلّل ويكبّر بها وصارت مرجعا ثريّا في العالم؟!.. لتُسقطوا حجارتكم ولتهشّموا عصيّكم وخناجركم وتذكّروا أنكم من سلالة نقيّة، وأن تونس رافضة للقبلية والعروشية والطائفية، وأنكم رجال صناديد تذودون عن الوطن وتردّون جهالة كل من تعمى بصيرته ويبطل عقله.. نحن نعيش في عهد الحوار والمثاقفة والتآزر والتآخي.. وكل من يتنكّر لهذا الواقع إنما هو يطعن الوطن ويتطاول على مبادئ الشريعة السّمحة ويحيل الحاضر والمستقبل على الحقد والكراهية والتقاتل أمام مرأى العالم.. يجب ترشيد الشباب وتوعيته كي لا يواصل السّقوط في هذا الجحيم الذي زحزح ويزحزح أمما وشعوبا.. وأوجّه نداء لتخصيص يوم يخرج فيه الملأ للتنديد بهذه الممارسات الدنيئة التي خلّفت ضحايا بشرية وعمّقت جروحا نخشى أن لا تضمّد.. وتذكير الهمجيين والفوضويين بأنّ الشعب يرفض ذلك ويتصدّى لهم بكل قواه وإمكاناته..