من فوائد الثورة أنّها أتتنا بما لم نكن نعلمه أو بما كان عند أغلبنا مجرّد ظن وتخمين، عرّفتنا الثورة بما أتاحته من فرص وفضاءات وهامش للكتابة الصحفيّة على أسماء وأحزاب ديدنها «الخارجي» الديمقراطية» و«التعدديّة» و«الإيمان بالرأي والرأي المخالف» وفي باطنها هوس بالذاتيّة والنرجسيّة ورفض النقد والرأي المقابل. تلك فائدة مهمّة جدّا،لأنّ انكشاف الحقائق والأحداث على معطيات لم تعد قابلة للطعن أو التشكيك، ممّا تعلّمنا غصبا عنّا طيلة عقود ماضية أن نحكم على النوايا ونبحث في تفاصيل تخمينات الناس وبرامج الأحزاب نتيجة واقع التكتّم وغياب المعلومة وانغلاق مصادر الخبر ، أمّا اليوم فقد إنزاح ذلك الكابوس وأضحى الجميع متاح له أن ينطق بهواه كاملا وأن يكشف عن خبايا ذاته ومكنوناتها وأن يُصعّدها إلى المشهد المرئي والمُعاين. لم يعد اليوم مُباحا لأحد أن يُخفي في «صدره» من نوايا وهواجس وتخمينات وأجندات، لقد سقط جدار العتمة والظلمة والحصار وانفتح المشهد على مصراعيه لينال كلّ حقّه و«حجمه» ومداه وليعرف الناس حقيقته كاملة دون نقصان ودون قراءة في النوايا أو المخفيات. انتهى زمن التعتيم، وهذا مكسب من أهمّ مكاسب الثورة وهو من ضمانات إنجاح مسار الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في الأمدين القريب والمتوسّط، سقطت ورقة التوت التي كانت تُغطي عورات العديد من السياسيين والعديد من الأحزاب والفعاليات المدنيّة، لقد جدّ الجدّ ومخطئ من يعتقد بأنّه بإمكانه أن يسير في هذا الزمن بعقليات الماضي ومن أبرزها عقلية التخفّي والهروب من الأضواء والانكشاف. نعم، إنّه واقع جديد ليس فيه غير الآفاق الواسعة والمفتوحة لمعرفة كلّ ما يدور في خفايا السياسة وخباياها، ومن الغريب أن يُوغل البعض من «ديمقراطيينا» في عتمة استبلاه الرأي العام واللعب على أوتار التهريج السياسي والمغالطة والحديث بعكس ما يؤشّر له الواقع وما يحكيه من حقائق لا غبار عليها. ومن الغريب أن يتنادى البعض من دعاة الديمقراطية للضغط على الإعلام أو محاولة إلجام صوته وحقّه في أن يكتب ما يريد وفق الضوابط الأخلاقيّة والمهنيّة..دعوا الإعلام يتحرّك ويتخلّص من عقاله وسترون كم هو جميل أن تُرسم على السطح ابداعات صحفيّة وإعلاميّة ليس لها من هدف وغاية غير المساهمة في تحقيق أهداف الثورة وتطلعاتها. لقد سقطت ورقة التوت ، ومن الصعب لهؤلاء أو غيرهم إعادة ستر عوراتهم ولن يكون بوسعهم إعادة بناء جدران للحجب والتعتيم أو تكميم الأفواه، بإمكانهم فقط أن يصدقوا القول والفعل انتصارا للديمقراطية ودماء الشهداء و«الرأي الآخر المخالف» ولا شيء غير ذلك وإلاّ... ستعرّيهم «الثورة» وستفضحهم وستكشف خطيئتهم ..بل ستأكلهم.