تونس «الشروق» محمد علي خليفة: أكد المحاضرون في الندوة الفكرية حول «الثورات العربية: الفرص والتحدّيات» التي نظمتها حركة «النهضة» في الذكرى الثلاثين لتأسيسها أنّ الثورات العربية لن يُكتب لها النجاح ما لم تعمل على الخروج من الدائرة القطرية وحذّروا من أن أعداء الأمة العربية والاسلامية يعملون اليوم على اجهاض هذه الثورات عبر مخطّطات احتلال الروح واستهداف «أصل المناعة الروحية» لهذه الأمّة وهو الاسلام، وتراوحت مواقفهم بين متفائل بنجاح الثورات العربية وتحقيق أهدافها مهما كانت الصعاب وبين متوجّس خيفة على مصير هذه الثورات. وذهب الدكتور أبويعرب المرزوقي في مداخلته إلى حدّ القول إنّ ثورة تونس لم تبدأ بعد رغم أن هناك من يقول إنّ ثورة تونس انتصرت لأنها اقتلعت رأس النظام مؤكدا أن مواجهة الثورة المضادة يمثل التحدّي الأكبر اليوم. السياسة والحرب واستند الدكتور المرزوقي الى مقولة كلاوس فيتش التي يعتبر فيها أنّ «الحرب سياسة بوسائل أخرى»، وقال إنّ هذه القضية متعاكسة لأنّ هذا التعريف يعني أيضا أنّ السياسة حرب بوسائل أخرى (قد تكون لطيفة غير عنيفة). وأضاف المرزوقي أنّ الغرب وعملاءه في أوطاننا وجدوا أن كلفة الحرب بالوسائل العنيفة لا تؤدي إلاّ الى نتائج عكسية، وبعد أن هزموا الجنود واحتلوا الأرض لم يبق أمامهم سوى الهزيمة الروحية، «فنحن اليوم نواجه معركة احتلال الروح». وأوضح المرزوقي أنّ الغرب عمل على خلق حدود بيننا وعلى إزالة الحدود عنده، وبالتالي أزاح عن الأمة العربية الاسلامية وحدة المكان الأمر الذي انجرّ عنه إزالة وحدة الدورة المادية الجماعية التي أصبحت مقطعة كما تقطّع المكان وأصبح معها الثورة الرمزية مقطعة كما قُطّع الزمان. وأضاف أنّ هذا التقطيع في فعل الانتاج المادي والرمزي يعني أنّ الروح بدأت تتخلخل من الداخل فيسهل غزوها، لكنه اعتبر أنّ كل ذلك يبقى غير فعال إذا لم نصل الى المناعة الروحية، وأصل هذه المناعة الروحية من حيث هو كتاب (القرآن)، بل هو التجربة التي جعلت القرآن فعلا في التاريخ ينتظم بها العمران البشري. من جانبه تساءل الكاتب والمفكر منير شفيق عن أسباب اندلاع الثورة والشعب هو الشعب والطغيان هو الطغيان. وقال شفيق إنّ ثمّة شروطا للثورة في اندلاعها وشروطا لانتصارها وأوضح أن من شروط اندلاع الثورة أن يكون النظام ورئيسه قد بلغا حدّا من التفسخ والشيخوخة واستدعاء التغيير والانهيار ما يدفع بالشعب الى التحرّك. وأضاف شفيق أنّ كل قطرة دم نزفت من تحت التعذيب وكل احتجاج سبق هذه الثورة وكل موقف ضدّ نظام بن علي تراكم بعضه فوق بعض ليعبئ هذا الشعب بما يؤدي الى هذه الثورة. وتابع أنّ هناك شرطين آخرين لقيام الثورة هما التغيير العميق في النظام الدولي الذي ساد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية الى اليوم واختلال موازين القوى عربيا واقليميا، مشيرا الى أن الأنظمة فضحت وفشلت خصوصا على امتداد العشرية الأخيرة بفضل نجاح المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق. وخاطب شفيق الحاضرين بالقول «تذكروا وأنتم تواكبون الصعاب أنّ ميزان القوى المحلّي والعربي والاقليمي والعالمي مال الى مصلحة الشعوب»، مضيفا أن «الثورات ستحقق أهدافها مهما كانت الصعاب». واعتبر شفيق أنّ الثورات الآن تواجه مؤامرة الثورة المضادّة ومن ورائها أمريكا التي تحاول أن تدعم قوى الجذب الى الوراء وأن تخرّب الثورات وأهدافها من الداخل. وأكد شفيق في هذا السياق أنّ الثورة لا تنتصر إلاّ إذا كفت أيدي التدخل الخارجي من أن تستفيد من التناقضات الداخلية. وأضاف أنه من غير الممكن تحقيق أهداف الثورة لا بالديمقراطية ولا بالعدالة الاجتماعية إن لم يكن هناك تأكيد على مشروع وحدوي عربي لأن الانغلاق القطري مقبرة للثورات، والقوقعة القطرية قد تجبرك على التحالف مع أوروبا وأمريكا وبالتالي إعادة إنتاج نظام استبدادي. مدرسة الثورة ورأى الأستاذ الحبيب بوعجيلة في مداخلته أنّ الوقوف على أسباب وكيفية انتصارها سيكون مبنيا على أن تمتلك النخبة وسائل الاقتدار النظري على تقدير استحقاقاتها وتحصينها من الارتداد والالتفاف عليها. وقال إنّ الثورات العربية أعلنت أنّ استحقاقها الأول سياسي اصلاحي، وهي مفارقة غريبة، فقد رأيناها بعد سقوط منظومة الفساد والاستبداد تقبل بالحفاظ على مؤسسات الدولة «الحديثة» وتبني على الصالح من المجتمع المدني تحصينا له من العودة الىدموية الاقصاء. وأضاف بوعجيلة أن على النخب أنّ تتحوّل الى تلاميذ لهذه الثورات، وأنها لن تمكن من الجواب على سؤال ما العمل إلاّ إذا خرجت الى الناس شاهدة وشهيدة ونطقت بلسان أقوامهم وطموحاتهم لتهفو إليها القلوب. وأشار بوعجيلة إلى أنّ الثورات العربية احتجت على العولمة بعمق حضاري أصيل وأنّ هذه الثورات لم تنشأ في الأقبية المظلمة ولا من الثكنات معلنة البيان الأول، ولا في كهوف الجبال بالأحزمة الناسفة بل نشأت على الشاشات المضيئة بين الشباب الذين كانوا يخطّطون ويتابعون ويلتقون في ساحات الاعتصامات منادين باسقاط الدكتاتورية. وقدمت الدكتورة محرزية العبيدي، الأستاذة بالمعهد الأوروبي للشؤون الاسلامية قراءة لدور المرأة العربية حقا وليس زيفا بالشعارات وحرّرت جميع النساء العربيات المتدينات والعلمانيات والمتعلمات والأميات، الفقيرات والميسورات، لأنهن خرجن لاستكمال ما بدأته جداتهن من حروب التحرير. وحثت العبيدي المناضلات اللاتي صبرن سنين طويلة على سجن الزوج والأب والأبن وسهرن على تربية الأبناء معتبرة أن الثورة اجتثت شجرة الخوف من القلوب وقدمت الشباب والرجال على الشكل الذي تريده كل امرأة، شجعانا مناضلين ضدّ الطغيان. هوامش حضور كبير الندوة اسقطبت عددا كبيرا من الحضور ففضلا عن المنتمين إلى حركة «النهضة» أو المتعاطفين معها شوهدت عدة شخصيات وطنية ووجوه سياسية ممثلة عن بعض الأحزاب. استراحة وصلاة بعد محاضرتي الدكتورين أبو يعرب المرزوقي ومنير شفيق بادر المنظمون بفسح المجال لاستراحة تزامنت تقريبا مع موعد أذان صلاة العصر فأقيمت الصلاة وهبت جموع غفيرة من الحاضرين للصلاة جماعة قبل استئناف جلسات الندوة وهي بادرة نالت استحسان معظم الحاضرين وثنائهم. أحاديث جانبية طبيعة القاعة التي احتضنت الندوة سمحت لعدة شخصيات بإقامة موائد مستديرة لتبادل الأحاديث الجانبية على هامش أشغال الندوة التي أدراها باقتدار المكتب التنفيذي لحركة «النهضة» العجمي الوريمي.