في قاعة شبه فارغة، واصل نادي سينما الفن السابع بالعاصمة عشية الجمعة الماضي 10 جوان 2011 نشاطه بعرض فيلم «رجل يصرخ» للمخرج التشادي محمد صالح هارون. هذه المرة الثانية التي يعرض فيها هذا الفيلم في تونس في غياب شبه كلي للجمهور، وكانت المرة الأولى في حفل افتتاح الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية حيث غادر الجمهور القاعة مباشرة إثر حفل الافتتاح الرسمي وظل الرجل يصرخ» وسط قاعة شبه فارغة وكتبت الصحف وقتها «رجل يصرخ في الظلام»في إشارة إلى غياب المشاهدين. ولعل السؤال الذي يطرح هنا هو متى يعود مصور السينما إلى القاعات لأن مثل هذا الفيلم يفترض مشاهدة من أكبر عدد من المتفرجين فقد أذهل الجمهور والنقاء في كل المهرجانات الدولية التي عرض فيها وحصل على جوائز عدة منها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان 2010 كما أحدث تغييرا ثقافيا كبيرا في التشاد موطن المخرج محمد صالح هارون الذي يعدّ أول مخرج سينمائي في هذا البلد. وبعد تتويح الفيلم في مهرجان كان قامت الحكومة التشادية بإعادة فتح قاعات السينما التي ظلت مغلقة طيلة فترة النزاعات والحروب التي عرفها البلد كما قامت بإصدار مرسوم لتمويل المنتجات السمعية البصرية وذلك بإقتطاع نسبة من الآداءات الموظفة على مكالمات الهاتف الجوال تخصص لدعم الإنتاح السينمائي. حكاية أب وإبنه «رجل يصرخ» هو رابع أشهر أفلام محمد صالح هارون بعد «باي باي إفريقيا(2003) و«أبونا» (2003) و«دارات» (2006) وهو عمل لا يختلف في موضوعه عن معظم أفلام المخرج التي تعالج في أغلبها قضايا الحرب والفقر في التشاد هذا البلد التي أنهكته النزاعات والحروب الأهلية وخلافا لأفلامه السابقة نهح المخرج في عمله الأخير «رجل يصرخ» أسلوبا سينمائيا بسيطا سواء من حيث الحكاية أو من حيث طريقة معالجتها إذ تدور أحداث الفيلم حول بطل سباحة يدعى «آدم» يعمل ممرنا في حوض سباحة بأحد النزل الضخمة في العاصمة «آنجامينا» وبإنتقال ملكية النزل إلى شركة صينية يتم إجبار «آدم» بإنتهاء مهامه واحالته على التقاعد في المقابل يتم إنتداب إبنه للعمل بد له في حوض السباحة وهو ما يشعره بالعجز والقهر فيقرر إرساله إلى الحرب أي إلى الموت وفي غياب الإبن تظهر شخصية جديدة على سطح الأحداث وهي صديقته التي تكتشف العائلة فيما بعد أنها حامل وهنا يشعر الأب بالذنب لأنه تعمد إرسال إبنه إلى الموت. الحرب «الخفية» ورغم أن الفيلم يحكي في ظاهره حكاية بسيطة عن علاقة أب بابنه فإنه يحمل في باطنه دلالات عديدة عن النزاعات والحروب في التشاد وما أفرزته من أمراض وبؤس ومجاعة وقساوة وأزمات إقتصادية وسياسية وإجتماعية وتظهر هذه الدلالات في إحالة الأب على التقاعد المبكر وبطالة الشباب والرمي بهم إلى الحروب والموت وترمل النساء وهجرة المواطنين إلى البلدان المجاورة...هذه القضايا صورها المخرج محمد صالح هارون في إشارات غير مرئية ولكنها جلية سواء في صوت محرك الطائرة العمودية المنتظم الحضور أو في أغاني الفيلم الفردية التي تلخص ذكريات وآمال وآلام هذا الشعب ومن المسبح تبدأ حكاية الرجل الذي يصرخ ولتنتهي في الآخر إلى الوادي الكبير دلالة على الحياة التي تبدأ من الماء وإليه تعود صورة رسمها المخرج في إشارة إلى تواصل الحياة رغم البؤس والحروب.