عندما تزوّجا، لم يشك للحظة واحدة ان بإمكانه الاستغناء عن المرأة التي احب، تلك التي اصرّ على الاقتران بها دون الاخريات، لكنه اليوم بدأ يشك في استمرار علاقة دامت اكثر من ست سنوات... لقد تحوّل حبه الى برود وجفاء ومودّته، الى لامبالاة. اما السبب فهو ذاك الطفل الذي لم يحضر بعد.. ذلك الصغير الذي تطالب به جدته وتذكّره في كل مرة يزورها بأن «الحياة لا طعم لها دون اطفال».. وأنهم «زينة الحياة الدنيا» وحلم جميل بإمكانه تحقيقه مع امرأة اخرى «ولود» تمنحه الخلف الصالح الذي يحمل اسمه لأجيال من بعده... فهل يضحي بحلم الأبوّة الذي جعل مشاعره تجاه زوجته تتآكل؟ وهل كانت زوجته ستضحي بأمومتها لو كان هو عاقرا؟ «الشروق» سألت المواطن التونسي ايهما اكثر وفاء لقرينه عندما لا يحدث الانجاب وهل مازالت المرأة وحدها تدفع ثمن «سلاطة لسان» المجتمع الذي يطعنها في انوثتها وامومتها.. ولم يفتنا ان نتساءل عن فرص تجاوز حالات العقم وان نفسّر اسبابه، وطرق تجاوزه عبر التحاليل والأدوية وعن طريق ميلاد طفل الأنبوب. عاشت السيدة «آمنة» سنوات زواجها الاولى وهي متهمة بكونها زوجة عاقر... وتوترت العلاقة بينها وبين زوجها ومع حماتها خاصة، وبعد سنوات من المداواة تبين للجميع ان زوجها هو العقيم... وتحوّل ذلك الرجل الذي يطالب بالطلاق للضرر، الى زوج لا ينشد من الحياة سوى البقاء مع زوجته التي تحوّلت الى «حبيبة».. وبتنهيدة تقول آمنة التي نحتت السنون على ملامحها الكثير فترهل جسمها وتجعّد وجهها: «ليتني طلبت الطلاق ولم اتصرّف كما املى عليّ المجتمع.. فأى قيمة للوفاء، وكي اكون ابنة «أصل» في عيون الآخرين... لقد تغيّرت معاملة زوجي لي بمجرد ان ايقن اني لم اعد قادرة على الانجاب وان السنون قد سرقت مني شبابي وجمالي... عندها صار لا يمانع في الطلاق، لكني لم اعد استطيع ذلك وقد كبرت فأين اعيش واي الرجل سيرضاني زوجة، لقد ضحيت بأمومتي مع رجل جاحد ناكر للجميل..». **عقليات جديدة قديمة تؤكد السيدة حليمة صخيري ان عقلية التونسي قد تبدلت وتغيّرت عما كانت عليه بالأمس... فالمرأة التي تمتلك المال والسيارة والوظيفة هي امرأة لا يمكن الاستغناء عنها من طرف الرجل... كذلك صار بإمكان بعض النساء المطالبة بالطلاق للضرر كي يحققن حلم الأمومة وقد يعطيها المجتمع احيانا الحق في ذلك... وتقول حليمة الأكيد ان احد الطرفين سيشعر بعدم اكتمال العلاقة وبأن شيئا ما ينقص.. وسيظل هذا النقص هاجسا قد يكسر العلاقة..». لئن اكدت السيدة حليمة ان المرأة هي الطرف الأكثر تضحية في صورة ثبات عقم زوجها او صعوبة عملية الانجاب لديه، فإن السيد عادل قد اكد العكس حيث ذكر ان الزوج اكثر إخلاصا وودا مع زوجته التي «يعذرها» فهو قادر على التضحية بحلم الابوة في سبيل البقاء مع زوجة محبة وودود حيث يقول عادل: «لقد تغيّرت عقلية الرجل التونسي، وصار يفكر اكثر في الخسائر التي سيتكبدها في صورة حصول طلاق وتحمّله لمصاريف نفقة واعباء زواج جديد.. هذا عدا انه صار اكثر تفهما وتضحية..». ويعتقد عادل ان المرأة العاقر هي التي عادة ما تطلب الطلاق من زوجها، حيث تتغيّر طباعها وتصبح اكثر عدائية بمجرد علمها انها غير قادرة على الانجاب.. لكنه يؤكد في النهاية على ان العقلية تبقى دائما تقليدية في كل ما يتعلق بانجاب الاطفال «زينة الحياة الدنيا» فالطفل قادر على ربط الابوين وتمتين علاقتهما ومحو المشاكل والتغاضي عنها». **زوجة أم طفل؟ هل يبحث الرجل عند زواجه عن امرأة محبة، ام ان عينيه مصوّبتان نحو الحصول على اطفال؟ بدا حسني واثقا من الاجابة وهو يقول: «انا ابحث عن المرأة... تلك التي تكون متفهمة وابنة اصل... فالحب هو الاساس في العلاقة الزوجية كي تستمرّ... وشخصيا اضع الزوجة في المرتبة الاولى ثم الاطفال في مرتبة ثانية.. فكم من العلاقات انتهت رغم وجود اطفال وكم من الازواج عاشوا في هناء رغم عدم انجابهم.». بدورها اكدت السيدة مريم الجديدي انها لم تكن لتستغني عن زوجها لو لم يشأ الله ان يرزق بالاطفال.. فذاك الزوج بالنسبة لها هو كل حياتها فهو الذي ساهم في تعليمها وشجعها في عملها ووقف معها في السراء والضراء وفي كل تفاصيل حياتها... لكن محمد (صاحب محل تجاري) بدا بعيدا كل البعد عن مثل هذا التفهم والتسامح في موضوع الاطفال: «الزوجة بالنسبة اليّ لا قيمة لها دون اطفال... فالابناء هم السبب الرئيسي للزواج..». أما هاجر فقد بقيت لسنوات تعيش تحت وطأة عيون «الناس» المتهمة لها كما لو كانت ارتكبت خطيئة ورغم ان التحاليل قد اثبتت سلامتها وبرأتها الا انها لم تسلم من الانتقادات التي كان يجد فيها زوجها ملاذا «لرجولته» المجروحة.. فما كان منها الا ان طلبت الطلاق وتزوجت بآخر، ولم تضحّ بحلم الأمومة مع زوج لا يقدّر معنى التضحية... اليوم تقول هاجر: «الحياة فعلا لا طعم لها دون ابناء..». وتضيف: لقد كان طلب الطلاق صدمة لزوجي الذي كان يعتبر ان البقاء معه امر بديهي وطبيعي، لكنه تناسى انه كان يهينني ويهددني بالطلاق في صورة ثبات عجزي عن الانجاب..». **ضحية مجتمع؟ تبين المسح الوطني الذي قام به الديوان الوطني للاسرة والعمران البشري ان نسبة النساء اللاتي يعتقدن ان المرأة العقيم اقل قيمة اجتماعية هي 63.. حيث يذكر المختصون: تؤثر الوظيفة الطبيعية للنساء (الانجاب) في تحديد صورتهن الاجتماعية، حيث ان ثقافتنا المعيشة جعلت الانجاب معيارا اجتماعيا وليس معيارا طبيعيا... رغم ان الكل يشعر ان تلك هي مشيئة الله وليس للمرأة دخل فيها...» واذا ما اعتبرنا ان العقم هو احد الاسباب الهامة للطلاق للضرر يمكن ان نقول ان 10 من طلبات الطلاق يطلبها الرجل للضرر، و7 تطلبها المرأة من الرجل للضرر. ويذكر الاستاذ الحبيب النهدي (دكتور في علم الاجتماع) ان المرأة العقيم في المخيال الجماعي القديم هي ارض قاحلة وبور... وانها كانت تعتبر كالارض البور حتى ان البعض يتشاءم منها ويتطيّر وكانت العجوز التي لم تنجب اطفالا هي عجوز منبوذة يقوم الجميع بإبعادها من المرأة التي انجبت للتوّ خوفا من «حسدها» ولا يسمحون لها بحمل الطفل. كما كانت الضحية الاولى لحكم المجتمع باعتبار ان مفهوم الخصوبة قد تعلّق أساسا بالأنثى وان الرجل بريء من ان يكون عاقرا حتى ان البعض يسميها ام الستوت، تلك التي تلتهم الاطفال! ولمثل هذا الشعور بالنقص والاتهامات التي تنبذ المرأة «غير المعطاء» علاقة برغبة العائلة في توريث الاسم والممتلكات، لتتحول العلاقة كما يؤكد استاذ علم الاجتماع، من علاقة تهم زوجين الى مسؤولية تهم الجماعة.. وعادة ما تسلط مثل هذه الضغوط من طرف الحماة التي تعتبر الأمر تضحية لا يجب على ابنه تحمّلها.. ومع تقدّم الطب تبيّن ان الرجل قد يكون عقيما.. لكن النظرة التقليدية للمرأة، توقعت انها تملك الخيار وان من واجبها التضحية، والا فلن يرحمها المجتمع. ويؤكد الدكتور الحبيب النهدي ان العلاقة التي ينقصها الاطفال هي عادة علاقة متوترة مادامت تعيش وسط مجتمع تقليدي.... وهي علاقة قد تسبب الاكتئاب والانهيار للطرفين.. وخاصة الرجل الذي يطالب بترك زوجته.. في المقابل، يرى الاستاذ ان مثل هذه النظرة قد تبدلت اليوم لتعيد للمرأة حقها في الحياة بعيدا عن حلم الأمومة ولتكون اكثر رحمة وتقبلا للوضع خاصة مع تقدّم الطب... ويضيف الدكتور ان هناك العديد من العلاقات اليوم التي تتميّز بالسعادة رغم عدم وجود الاطفال... وان التقدم الطبي قد جعل الأمل يزرع في عيون الكثير من الأولياء الذين صمدوا لسنوات وتابعوا العلاج سوية حتى تمكنوا من الانجاب وان بصفة متأخرة.. فالاكيد ان التطوّر الطبي جعل المجتمعات اكثر تسامحا وتفهما وجعل الرجل اقل ضغوطا عندما يقرر البقاء مع زوجته العقيم.