تونس (الشروق) محمّد علي خليفة: عرض المحاضرون في ندوة «الانتقال الديمقراطي نحو واقع تونسي جديد» أمس مقاربات حول الدستور التونسي الجديد وملامح المرحلة المقبلة وطبيعة الخارطة السياسية وشكل النظام الممكن تطبيقه في تونس فضلا عن قراءات للتجربة السياسية التركية من الحركة الكمالية الى مرحلة رجب طيب أردوغان قدمها أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أنقرة الدكتور باسكان أوران. وقد انتظمت الندوة أمس بمشاركة وجوه سياسية وقانونية من تونس وتركيا ورومانيا وبإشراف منتدى ابن رشد ومنتدى «نور» (الجمهورية الجديدة) والمعهد الدولي للسياسات والقيادة. واستحضر عميد كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس فاضل موسى مقولة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ان الدستور التركي يجب أن يكون دستورا لكل تركي، مؤكدا أن الدستور التونسي الجديد يجب أن يكون دستورا لكل التونسيين. ورأى موسى أن الأنظار تتجه الآن الى المثال التركي غير أن ما أعلن عنه أردوغان من نية وضع دستور ينحو نحو النظام الرئاسي يمثل نقلة في التجربة التركية، علما أن النظام التركي الحالي هو نظام برلماني وهذا قد يثير بعض المخاوف نظرا الى احتمال انزلاقات الأنظمة الرئاسية نحو الرئاسوية. وبخصوص النظام السياسي الممكن تطبيقه في تونس اعتبر موسى أن هناك جدلا قائما اليوم بين دعاة النظام الرئاسي ودعاة النظام البرلماني وهناك أيضا النظام المختلط مشيرا الى أن ما يجب أن يكون هو نظام متوازن يضمن فصل السلط. واعتبر موسى على أن الأمور اليوم تسير وكأننا إزاء نظام برلماني مشيرا الى طبيعة العلاقة بين الحكومة المؤقتة والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وطبيعة مهام هذه الهيئة. وأكد موسى ضرورة أن يضمن الدستور الجديد الحريات الأساسية ومن الممكن أن يتضمّن كذلك بنودا تنصّ على الحق في تنمية متكافئة ومتوازنة بين الجهات، معتبرا أن هناك اجماعا على ما يبدو على الفصل الأول فتونس حضاريا وثقافيا مسلمة ولم تشهد تداخلا بين الدين والسياسة. ومن جانبه أكد الدكتور الصادق بلعيد أن الدستور التونسي سواء كان مسبوقا بإعلان العهد الجمهوري أم لا فإنه يجب أن يتضمن التزام تونس بعدد من المبادئ التي تشكل هويتها ونظامها. وقال ان على تونس أن تُبدي تمسّكها بمبادئ المساواة والعدالة ويجب أن يتضمّن الشعار الجديد للدولة مفهوم التضامن بين جميع المواطنين ويجب في المقابل أن تكون هناك ضمانة لهذه المبادئ والضمانة هي بالأساس السلطة القضائية. وأضاف بلعيد أن الدستور هو مجموع القيم والمبادئ التي من خلالها نضع نظاما سياسيا لتجسيم تلك المبادئ. وبخصوص النظام السياسي الأنسب لتونس في المستقبل قال بلعيد «أنا شخصيا ضد النظام الرئاسي، بسبب أن هذا النظام غير مستقرّ وجميع التجارب في العالم أثبتت ذلك وأثبتت أنه بالامكان أن يتحول الى الصيغة الأسوإ وهي النظام الرئاسوي». ورأى في المقابل أن النظام البرلماني يوفر ثلاث مزايا لا نجدها في غيره، ففي هذا النظام يكون من حق الشعب اختيار الحكومة عبر ممثليه في البرلمان، ويكون من حقّه أيضا مراقبة عملها وحتى معاقبتها إذا ما حادت عن مسارها، وهذا النظام هو الوحيد الذي يضمن لنا ذلك. وتابع بلعيد قوله «نحن اليوم عشية انتخابات مهمة من أجل وضع قوى جديدة وتوازنات سياسية جديدة بعد فترة المجلس التأسيسي ونحن إزاء وضعية عنوانها الشك والغموض الإيديولوجي. وللأسف هذا الغموض لا يزال موجودا في المشهد السياسي. وفي مداخلة حول التجربة السياسية التركية على امتداد عقود أكد الدكتور باسكان أوران أن الحركة الكمالية (نسبة الى مصطفى كمال أتاتورك) فرضت الهوية التركية على الشعب دون الاهتمام بالأقليات الدينية في حين أن الحركة الاسلامية فرضت الهوية الاسلامية دون النظر الى الاثنيات والأقليات الدينية الأخرى، وهو الأمر الذي سبّب في اعتقاده مناهضة قطاعات من المجتمع المدني التركي للأحزاب الاسلامية. لكن أوران اعتبر أن التجربة التركية (من حزب الرفاه لنجم الدين أربكان الى حزب العدالة والتنمية لرجب طيب أردوغان) تعتبر إجمالا ناجحة بالنظر الى براغماتيتها وتعاطيها مع مختلف الملفات والقضايا بمنظور عقلاني.