تصدير: «فإن لم يكن في ذلك إلاّ التّثبّت والتّريّث، لقد كان ذلك ممّا يحتاج إليه» الجاحظ ينسى كثير من الكتّاب الأبعاد التّراكميّة في تاريخ الثّورات، فيتصوّرونها قد حدثت بين عشيّة وضحاها، ومن بينهم محمد السعيدي صاحب المقال الصادر بجريدة «الشروق» بتاريخ 5/6/2011 الذي خلط منذ البدء بين « الثّورة « والإطاحة برأس النّظام البائد بقوله: «حدثت الثّورة التّونسيّة في وقت قياسيّ لم يتجاوز الشهر الواحد». صحيح أن لا أحد كان يتصوّر نظام « بن علي» بمثل تلك الهشاشة حتى يطاح به في بضعة أسابيع، لكنّ الإرهاصات الثّوريّة لم تبدأ في 17 ديسمبر 2010 مثلما توهّم كثيرون، وكأنّهم غفلوا «وليس بالعهد من قدم» عن أحداث الحوض المنجميّ التّي كانت بحقّ أوّل مواجهة ثوريّة مع نظام بن علي البغيض، لكنّها قمعت رغم نضج شعاراتها وسلامة تمشّياتها وحسن تنظيمها فلم تتوسّع دائرتها على عكس ثورة 14 جانفي المجيدة، ثورة الكرامة والحريّة. ولئن كان تحليل الكاتب لطبيعة النّظام الدّيكتاتوريّة، الإقصائيّة الدّمويّة سليما في جملته، فإنّ ممّا يؤاخذ عليه توهّمه مثل كثيرين أنّ الثّورة هي ثورة الشّباب لا غير، وفي ذلك تغييب لا يغتفر للأطراف الأخرى التّي أسهمت فيها من مختلف الشّرائح العمريّة والاجتماعيّة. صحيح كذلك أنّ الثّورة التّونسيّة – التّي ما زالت تخطوخطواتها الأولى على الدّرب- مثّلت حدثا مخصوصا، لكنّ الفصل بين الشّعب وقياداته فيها اعتباطيّ ولا مبرّر له لا سيّما في قول الكاتب: «...ومثّلت الثّورة التّونسيّة حدثا مخصوصا إذ أنّ هذا الشّعب الذّي قام بها حرّر القيادات جميعها، أحزابا ومنظّمات ومجموعات حقوقيّة ومفكّرين، ومعارضين وإعلاميّين وكتّابا « وهذا الرّأي يتقاطع مع أولئك الذّين تصوّروا الثّورة بلا قيادة أوّلا، وهو خطأ فادح من ناحية التّحليل التّاريخي، فضلا عن أنّ القول بتحرير القيادة والنّخبة لا يستقيم سواء من حيث القراءة الدّاخلية عند تحليل الخطاب، لما يحمله من تناقض مع القول بغياب قيادة في الثّورة، أومن حيث القراءة الخارجيّة النّقديّة البنّاءة لأنّ المثقّفين والمفكّرين وفقهاء القانون (ومنهم خاصّة أستاذنا الصّادق بلعيد وغيره) والحقوقيّين والإعلاميّين وجلّهم معارضون تبنّوا فكر الثّورة وصانوه وأحاطوا به ورعوه ووجّهوه الوجهة الصّحيحة في أدقّ الفترات، ولولاهم جميعا ما كان للتّحركات الشّعبيّة أن تتطوّر وتنضج وتؤتى أكلها لكنّ الطّريق مازالت طويلة والمهام متعدّدة، وليس أيسرها مهمّة انتخاب المجلس التّأسيسي وما عرف الجدل حوله وإزاء تاريخه من سجال يخفي تجاذبات داخليّة ومؤثّرات خارجيّة. إنّ ثورتنا ليست انتفاضة مثلما يزعم البعض، لكنّها من جهة أخرى لم تستكمل بناءها ولم تزح الشّوائب العالقة بمسيرتها، وأهمّها – بلا شكّ – ما يمثّله بقاء النظام البائد وفلوله من ثقل ومخاطر، زد عليه قوى الرّدّة والرّجوع إلى الوراء والقضاء على مكاسب مجتمعنا على قلّتها إنّ القيادة الحقيقيّة للثّورة هي الهياكل الوسطى والأساسيّة في الإتّحاد العام التّونسي للشّغل وهم في الآن نفسه عناصر فاعلة ناشطة في الأحزاب الممنوعة سابقا، نجحوا في ثورة 14 جانفي حيث فشلوا في تأطير انتفاضة الحوض المنجمي (جوان 2008) لأنّ المركزيّة النّقابيّة استشرست في قمعهم ومنعهم من الفعل السّياسي المؤثّر الذي يبغون ولا بدّ من تأكيد فكرة نراها أساسيّة بل مركزيّة قوامها أنّ التّحرّك ليس مقصورا على قفصة، فكلّ التّحرّكات في الجنوب (بنقردان....) قادتها قيادات نقابيّة متأصّلة في العمل السّياسي. وهذا كلّه يفنّد القول بكون الثّورة كانت بلا قيادة أوأنّها كانت ثورة الشباب دون غيرهم. الثّورة لغة واصطلاحا: الثّورة هي الهيجان، قال الشابّي: ليت لي قوّة الأعاصير يا شع ٭ بي فألقي إليك ثورة نفسي ( عن القاموس الجديد للطّلاّب ص 241 ) وورد في معجم Le petit Robert ما يلي : ثورة Révolution : تغيّر مفاجئ ومهمّ في الوضع الاجتماعيّ والأخلاقيّ : تحوّل كلّي ( المصدر المذكور ص 1711 ) لوكانت الثّورة دون قيادة – مثلما روّج بعضهم – لسقطت دون ريب في الفوضويّة ( Anarchisme ) وهذا ما لم يحصل. الانتفاضة : لغة واصطلاحا. انتفض، انتفاضا : الشّيء : تحرّك واضطرب ( عن القاموس الجديد للطّلاب ص 108 ) ورد في Le Petit Robert ما يلي : انتفاضة Révolte : من ثار أوانتفض : حركة جماعيّة مصحوبة في الغالب ( عموما ) بالعنف، ترفض مجموعة ما من خلالها السّلطة السّياسيّة القائمة والوضع (النّاموس) الإجتماعيّ الموجود. (المصدر المذكور ص 1710). ٭ بقلم محمد كمال جردق (كاتب وباحث في العلوم الإنسانية)