آه يا أبا نوّاس لو كنت من هذا الجيل تعيش اليوم معنا. فواللّه ما بتّ تبحث عن خمّارة البلد. وما كانت بك علّة الضمإ لللشرب. وما رجوت النديم مناديا «وداوني بالتي كانت هي الداء». وما كنت في حاجة لا لسلاف الكوفة. ولا لمعتق بلد النهرين ولا لطبق زبيدة ولا لأكواب هارون الرشيد. ولا لفودكا الروس. ولا لصفراء «ديجون» التي «لا تنزل الأحزان ساجتها». ولا لتيبارين تيبار ولا لماغون الوطن القبلي ولا لصواريخ لاقمي الجنوب، ولا للأفيون الأفغاني. ولا «للخشخاش» الطالباني وللقات اليمني ولا للمعسول المرّوكي، ولا لإبر الشيغاغو. ولا لغبرة المافيوز التي «من مسّها سواء مسّته ضرّاء». وما استنجدت يا أبو نوّاس بالجليس النديم مناديا «اسقني حتى أرى الديك حمارا» فواللّه لو كنت بيننا ما احتجت لكل هذا فتكفيك وقفة وجيزة في الشارع لا لترى الديك حمارا فقط وإنما سترى القط أسدا وقد حوّل مواءه زئيرا والنعجة لبوة وقد حوّلت ثغاءها هديرا. والضفدع بغلا وقد حول نقنقته في الوحل إلى ضرط البغال الهائجة في الحقول. أعرف أنك تعرف. إذا «طارت السكرة» يبقى القط قطا والنعجة نعجة والضفدع ضفدعا والبغل بغلا. وأعرف أنك تعرف أن البغال وهذا المهم مهما قطّعت من رباط ومهما تنطّعت ومهما رفضت القيد والعلف «يطول ليلها وتعلف». قف ساعة في الرصيف إن وجدت أثرا للرصيف سترى العجب ملكا والعجاب سلطانا هذا على مملكة الفوضى وذاك على سلطنة الانفلات في الشارع. سترى الوجوه التي عرفتها صباحا لحما ودما وملامح وبسمات تغيرت في الظهيرة إلى وجوه من القصدير اللّماع. ووجوه من البلاستيك المسلح وأخرى كاوتشو غابات الأمازون وأخرى من جلد «أديداس» وكلها تدّعي الجاه والوجاهة وسلامة التوجه وتدعي الحكمة وتشرع لنفسها الحكم والسلطان. وسترى «أهل العقول في راحة استشفائية إذ فقدوا الوعي من هول ما رأوا وما سمعوا لذلك هم صامتون». آه لو كنت يا أبا نوّاس بيننا. سامحني أن أقول لك بلسان العصر لا بلسان العرب لعشت «زاطلا للطولة» و«بالعا سيس دوز»