استمر أسامة الدريسي في جذب الخرطوم بكل قواه محاولا تمريره قصد الصاقه بفوهة الخرطوم المقابل المشدود الى أسفل الشارع علّه ينجح في ايصال الماء الصالح للشرب لمنزله ومطعمه من جديد. تونس «الشروق» محاولات أسامة باءت بالفشل ليستسلم أسامة الى نظرة يائسة رفعها الى المتفرجين المتجمهرين على رصيف الطريق... كان يغرق في حوالي ثلاثة أمتار من العمق وسط «حفرة» يمكن الولوج اليها عبر نهج جبل منصور على بعد بضعة سنتيمترات من منزله ومطعمه. هذه «الحفرة» التي تحدها من الجانبين عمارتان آهلتان بالسكّان ويحدها من الجهة الرابعة نهج الاطلس بدأت عملية نبشها قبل أكثر من أسبوعين...فتحولت تلك الارض المنسية المليئة بالاعشاب الطفيلية الي مكان لأشغال لم يفهمها الأجوار... إذ لم يعلّق صاحب الاشغال أية لافتة تؤشر على طبيعة المشروع ولا مكتب الدراسات والذي يشرف على تنفيذه. يرفع أسامة نظرته اليائسة يتطلّع في أرجاء المكان الملطّخ بالمياه والحجارة وآثار انهيار جدار العمارة المقابلة...يبحث مجددا عن امكانية أخرى تعيد الحياة لمطعمه...ومنزله أيضا. عاطل رغما عنه يستدير نحو المتجمهرين على يساره أعلى الطريق ويلقي بابتسامة يائسة ساخرة قبل أن يقول ل «الشروق» «تعرّض منزلنا وضيعتنا للحرق في ولاية زغوان ففضلنا الرحيل الى هذا المكان بحثا عن حياة جديدة وقد سعيت الى افتتاح مطعم صغير مرّ على نشاطه شهر ونصف فقط قبل أن نضطر لإغلاقه بسبب هذه الاشغال المفاجئة التي باغتت الجدار الخلفي للمنزل والمطعم وقطعت عنّا الماء والكهرباء وأحالتنا فجأة الى البطالة بل تهدّدنا بانهيار المنزل». دون أن يفارق ابتسامته الساخرة يستدير أسامة أعلى الصخرة التي كان يتوقف فوقها ممسكا بيمناه خرطوم المياه قائلا «الثورة لم تخلّف لي سوى المأساة اذ أتت على رزقي في موطني وها هي تحيلني على البطالة مجددا فالمطعم ما يزال حديثا وتوقفه عن العمل طيلة أسبوع ضربة قاضية له ومن سيعوّض لي هذه الخسارة؟ صاحب «الحفرة»؟ أم البلدية فأنا متضرر جدّا ولا قدرة لي على الانطلاق من جديد؟»...ثم يلقي الخرطوم أرضا ويستدير لمغادرة «الحفرة»...ويترجل في اتجاه منفذ جبل منصور وهو يثبت نظاراته الشمسية أعلى أنفه. لا أحد كان يعلم من أجواره أيضا متساكني العمارة رقم 19 الواقعة على مشارف «الحفرة» والمطلّة على نهج الشاذلي قلالة أنه قد يتحول فجأة الى متشرد باحث عن مأوى. من سيعوّض لهؤلاء؟ يروي المتساكن الطاهر عمامي ما جدّ صبيحة ذلك اليوم...حين استيقظ الجميع على عجل يهرول الى خارج المبنى خوفا من انهيار المكان على رأسه. «كانت الساعة تشير الى السابعة والنصف من صباح الاحد 26 جوان حين سمع دويّ انهيار جدار العمارة المطل على مشارف «الحفرة»...فهرولنا جميعا خارج الشقق مباشرة الى الشارع حتّى أن أحد الاجوار اصيب بكسر في ساقه لانه تعثر في المدرج» هكذا يقول العم طاهر وهو يطلعنا على الشقوق التي برزت فجأة في سلالم العمارة ومدخلها. أصاب الانهيار محلّ لحّام يقع في الطابق السفلي فبعثر بضاعته وجعل من الصعب اخراج آلاته الثقيلة من المكان لانها على حافة السقوط في «الحفرة»...كما أصاب مطبخ المتساكنين في الطابق الاول فانهار بشكل شبه كامل وكاد يصيب كامل الواجهة. يقول العم طاهر انه شعر من قبل بتحرك العمارة مما اضطره الى تنبيه صاحب الاشغال فطمأنه بدوره و«قال لي انني صاحب خبرة لأكثر من 30 سنة في المجال فلا تهتم لكننا تفاجأنا بالجدار ينهار وقد تنهار العمارة بالكامل». بعد الحادثة تدخلت السلط الجهوية واستضافت بعضا من أفراد العائلات المتضررة في فندق على حساب صاحب تلك «الحفرة» كما وعدتهم يوم الاثنين الماضي باستصلاح الجدار خلال 72 ساعة...لكن مرّت على الوعد أيام بل أسبوع كامل دون أي جديد يذكر على حد قول العم طاهر...ويضيف بمرارة «حزّ في نفسي أن أرى ابنتي وابناء الاجوار المؤجلين في امتحان الباكالوريا والامتحانات الجامعية يراجعون دروسهم في الشارع دون أن يحرّك صاحب «الحفرة» ساكنا.