«الحرّيات الأساسية وآليات الضمانات»، كان محور الندوة التي نظمتها أمس جمعية «نور» (الجمهورية الجديدة) بحضور رجال قانون وممثلين عن بعض الأحزاب السياسية قدموا رؤيتهم للدستور الجديد من هذه الزاوية. وأكد أستاذ القانون الدستوري وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة غازي الغرايري أنّ الحقوق الأساسية مرتبطة أساسا بتوفير 3 ضمانات وهي فضاء فعلي مستقل ينتصر لحقوق الناس وإنشاء محكمة دستورية توكل لها مهمة الرقابة على السلطة لتنفيذ القوانين المتعلقة بهذا الشأن وحياد الادارة الذي هو في الحقيقة الشرط الأول للتمتع بهذه الحقوق مؤكدا أن الثقة لا تبنى إلاّ بحياد الادارة. مفارقات وأشار الغرايري الى أن الحقوق الواردة في دستور 1959أفرغت من محتواها، فدولة الاستقلال مارست التعذيب واستعملته أداة للحكم رغم وجود نصوص تجرّم ذلك مطالبا بأن يتضمّن الدستور الجديد فصلا يمنع التعذيب، خصوصا فصلا يجرّم من يمارس التعذيب ولا يعذره حتى إذا كان قد تلقى أوامر بذلك. ورأى الغرايري أنّ المساواة أمام القانون تعني أن يكون الجميع سواسية اجتماعيا ونحن لسنا كذلك وعلى القاعدة القانونية أن تعالج عدم التوازن هذا. وأكد الغرايري أن المسألة ليست مسألة كتابة نصوص قانونية بل مسألة إرادة سياسية في التطبيق مشيرا في هذا المجال الى أنّ دستور 1959 كان يتضمن بابا متعلقا بالحقوق، وكان بالامكان أن نعيش في ظل هذا الباب في مجتمع مغاير تماما لما عشناه، لكن السلطة التنفيذية أفرغت القوانين من محتواها وكانت تتعامل بانتقائية في التطبيق. من جانبه اعتبر الأستاذ منذر الشارني أمين عام الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب أن أكبر عدو للحريات هي الدولة. وقال الشارني إنّ التطرف الفكري الذي نراه اليوم سببه 50 سنة من القمع، داعيا الى الحوار الذي هو سبيل للتحاور مع الشبان المتأثرين بالفكر السلفي وممّن لهم نظرة متشدّدة للدين، لأن اعتماد أسلوب آخر غير الحوار سيدفع بهؤلاء الى مزيد من التطرف. وبخصوص الحرمة الجسدية للفرد ذكر الشارني بأن تونس صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب منذ سنة 1989، لكنها كانت مصادقة دعائية، معتبرا أن المشكلة في التنفيذ. وأكد الشارني ضرورة تفعيل هذه الاتفاقية حتى لا تتواصل ممارسات العهد السابق مقترحا إلغاء عقوبة الاعدام. مواقف الأحزاب وفي ردّ لممثلي الأحزاب على طرح مسألة الحريات الأساسية في الدستور الجديد قال ممثل حزب التكتل الديقراطي من أجل العمل والحريات خميس كسيلة إنّ حزبه يعتبر أن الحقوق الاساسية هي حقوق كونية نعمل من أجل تضمينها في الدستور الجديد وسنعمل عندما نشارك في الحكم ومواقع التشريع على التزام الدولة التونسية بكل ما جاء في العهود والمواثيق الدولية. وأضاف كسيلة إن «شعبنا يستحق هذه الحقوق والحرّيات ولا بدّ أن نؤكدها في التشريع ونوفر لها آليات التنفيذ والرقابة»، معبّرا عن قبول حزبه التام بما جاء حرفيا في الاعلان العالمي لحقوق الانسان لاعتماده في باب الحريات الأساسية في الدستور الجديد. في المقابل تساءل ممثل حركة النهضة العجمي الوريمي «لماذا لا نناقش الميثاق العالمي لحقوق الانسان إن كنا نقبل بمناقشة المسائل الدينية»؟ وقال الوريمي إن المتغيّر ليس القيم، فالأصل في القيم الثبات والكونية، فإنّ كانت كذلك فهي ملزمة للجميع. وأضاف الوريمي، أعتقد أنه ليس هناك ماهو أسمى من مبادئ الاسلام، ونرى أن كل ما يتعارض تعارضا صريحا مع ثابت من ثوابت الاسلام لا يمكن أن نقبله دون مناقشة. وتابع الوريمي أنّ هناك أرضية مشتركة نلتقي فيها مع عدّة أطراف، وانطلاقا منها نناقش المواثيق والتعهدات والالتزامات، فالاختلاف حق والتعدّدية هي مستقبلنا». واعتبر رئيس حزب العمال الشيوعي التونسي حمّة الهمامي أنّ الحرّيات والحقوق الموجودة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان هي عبارة عن حوصلة للتجارب الانسانية وهي غير قابلة للتصرف لكنها تبقى منقوصة، إذ لا بدّ من الاضافة من ناحية الآليات والضمانات. وأوضح الهمامي أنه لا بدّ من سنّ تشريعات تحيي هذه الحريات وتجرّم من ينتهكها.