الكلاب أنواع، ويبقى الكلب منبوذا عندنا في الريف ولو كان «دالمسيان» فما بالك به إن كان سائبا أو كلب سوق. ولكل ساحة في كل قرية ريفية كلابها، والقردة أنواع، والقرد مسخرة واضحوكة، ولو ألبسوه من اللباس ما تفتقت عنه قريحة «إيف سان لورون».والأسود وإن قلت أنواعها يبقى الاسد مرعبا ولو قلموا أنيابه في السرك. وللكلاب والقردة والاسود فرق ولكل فرقة حاكم يحكمها. ففي كل فرقة كلاب كلب يحكمها، وتأتمر بإمرته، وهو أكثرها فتوة وبطشا، وأطولها أنيابا ومخالب، فهو أول من ينبح وأول من يسكت ويترك فرقته تنبح الى مطلع الفجر. وإذا حضرت وليمة خاصة اذا كانت جيفة ينفرد بها وتبقى أتباعه تتصارع من حوله عضّا وغدرا وخدشا واراقة دماء وينسى كل كلب جراحه بمجرد الظفر بعظم أو «نتشة» خبز، ذلك هو الحكم عند الكلاب. أما عند القردة فلكل فرقة قرد يحكمها، ولا يعتلي سدة الحكم الا من استطاع بالعنف تصفية خصومه من ذكور المجموعة وتشريدها وتهجيرها، ولا يبقى منها الا من بايعه على الحكم واتّكأ على عصا الذل. وإذا كان هم الكلب الحاكم هو الاستحواذ على قوت المجموعة ولا يترك لها منه الا الفضلة، فإن هم القرد الحاكم هو الانفراد بإناث القطيع والويل لمن خانته يوما وهو ما جعل هذه الإناث تعرض عليه في كل مطلع فجر عوراتها ليشمّها ويمنحها شهادة براءة من الخيانة أما في قانون الغاب فلا يكون حاكما للقطيع الا الأسد الاقوى والاشرس حتى إذا زئر انبطحت له كل الاسود. والتفّت حوله كل اللبوات فرحات مسرورات عارضات عليه كل ما يريده الحكّام من تمسّح ولحس وإثارة ونش للذباب بأذيالها من ساحته. وكل أسد عظيم وراءه لبوات. وأما ما هو مشترك في هذه الانظمة الثلاثة فهو الانفراد بالحكم بالقوة والتشبث به، ولكن مهما استكلب الكلب، واستقرد القرد واستأسد الأسد تكون نهاية الحكم واحدة وهي الاطاحة بالحاكم وهروبه بجلده وموته مقصيا إن لم يكن مقتولا، وعلى هذا الدستور يستمر النظام الكلبي والقردي والأسدي، و«الفاهم يفهم» يا ولدي.