هل أن الحكومة الحالية واعية تمام الوعي بما آلت إليه حالة الأسعار في البلاد هذه الأيام؟ سؤال يردده اليوم أكثر من مواطن في السر وفي العلانية، وسط عجزه شبه التام عن تلبية حاجياته وحاجيات عائلته المعيشية اليومية، التجار والمنتجون ووسطاء البيع «فعلوا ما فعلوه» على لوحات الأسعار على امتداد الأشهر الماضية وسط «غمرة» انشغال المواطن ب«الثورة» وبأحداثها وما انفكوا ... ووسط أعين شبه مغمضة لأجهزة الدولة المشغولة بدورها بشؤون أخرى... وزارة التجارة، المعنية في المقام الأول بشأن الأسعار غابت منذ مدة عن ساحة «المراقبة» و«التعديل» و«التحسيس» و«الردع»... ومنذ إلحاقها بوزارة السياحة (أو إلحاق وزارة السياحة بها) تحوم شكوك كثيرة حول إصابتها ب«الضعف والتهميش» مقابل عناية ملحوظة بالشأن السياحي.. الأسعار خلال الأشهر الأخيرة التهبت على مستوى الإنتاج (لدى المنتجين والمصانع) وعلى مستوى التوزيع (لدى الوسطاء) وعلى مستوى التفصيل (لدى التجار) دون أن يحرّك أي طرف في الحكومة المؤقتة ساكنا... وحتى رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى بدت طوال الأشهر الماضية «معدّلة» على الشأن السياسي أكثر من الشأن المعيشي للمواطن... ولم نر يوما منذ 14 جانفي لا رئيس الجمهورية المؤقت ولا الوزير الأول يتحدث في كلمة رسمية أو أمام وسائل الإعلام عن هذا الشأن المعيشي للمواطن... وما يثير الاستغراب هو أن هذا الصمت «الرسمي» عن غلاء المعيشة اليوم في تونس مازال يقابله صمت رسمي آخر عن تدهور حالة الدخل الفردي للتونسي... ففضلا عن توسّع رقعة البطالة، مازالت أجور الشغالين (الطبقة الضعيفة والمتوسطة) بسيطة للغاية ولم تعد تكفي لسد رمق العائلة والأبناء ومازلنا كل سنة نعاني من عبارة «تعثّر المفاوضات الاجتماعية»... وبشهادة كل خبراء الشأن الاقتصادي فإن تحرير السوق (الذي يتبعه تحرير الأسعار) لا بد أن يقابله على الأقل شبه تحرير للأجور وللمداخيل من القيود التي مازال يسلطها عليها الأقوياء... وإلا فإنه لن يكون هناك في تونس أي مفرّ في قادم السنوات من اقتصاد مشلول، يمر فيه المواطن كل يوم أمام وبجانب واجهات ورفوف المغازات والمتاجر ويكتفي بمجرد الفرجة على السلع والبضائع ولا يشتري منها إلا النزر القليل... عندئذ، فليبحث هواة الجشع وأصحاب البطون الكبيرة من المصنعين والمنتجين والتجار عمّن يشتري منتوجاتهم بتلك الأسعار الملتهبة.