فيما آجال الاحتفاظ انتهت .. دائرة الإتهام تؤجل النظر في ملف التآمر على أمن الدولة    في كمين لقوات الجيش و الحرس ...القبض على أمير كتيبة أجناد الخلافة الإرهابي    ولاية بنزرت تحيي الذكرى 68 لقوات الامن الداخلي وتكريم الشهيد فوزي الهويملي    احداث لجنة قيادة مشتركة تونسية إيطالية للتعليم العالي والبحث العلمي    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    القصرين: الداخلية تنشر تفاصيل الايقاع بعنصر ارهابي في عمق جبل "السيف"    بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين    أخبار النادي الصفاقسي .. غضب بسبب عقوبات الرابطة وتجاهل مطالب الأحباء    رياح قوية    لأول مرّة في تونس وفي القارة الإفريقية ...شاحنة سينمائية متنقلة تتسع ل 100 مقعد تجوب ولايات الجمهورية    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    عاجل/ وزير خارجية تركيا: حماس قبلت نزع سلاحها مقابل هذا الشرط    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    عاجل/ هذه الدولة تحذر من "تسونامي"..    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    أبطال إفريقيا: ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي يحط الرحال بتونس    تركيبة المجلس الوطني للجهات والأقاليم ومهامه وأهم مراحل تركيزه    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    ريال مدريد يفوز على مانشستر سيتي ويتأهل الى نصف نهائي رابطة أبطال أوروبا    الحماية المدنية تنتشل جثة الشاب الذي انهار عليه الرّدم في بئر بالهوارية..    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تتاهل الى الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير التجارة والصناعات التقليدية في حديث خاص ل «الشروق»: تحرير الأسعار لا يعني ارتفاعها.. والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن أولويّتنا
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2010

قال السيد رضا بن مصباح وزير التجارة والصناعات التقليدية انه بالرغم من التقلبات العالمية على مستوى المنتوجات والأسعار وانعكاساتها الكبرى على السوق المحلية، لم تتخل الدولة عن دورها التقليدي في حماية المقدرة الشرائية للمواطن وذلك عبر عدة آليات أهمها التشجيع على ترفيع الانتاج الوطني ومواصلة سياسة دعم بعض المنتوجات الحساسة وتأطير بعض الأسعار والقضاء على المضاربة والاحتكار.
وأضاف الوزير في حوار حصري خص به «الشروق» ان كل ذلك تم بالتوازي مع مواصلة سياسة انفتاح الاقتصاد الوطني على السوق العالمية وما يمليه ذلك من تحرير للأسعار ومن فتح الحدود امام التصدير والتوريد، وهي معادلة صعبة قلّما تنجح الدول النامية الشبيهة بتونس في تحقيقها.
واعتبر بن مصباح ان مجهود الدولة هذا لابدّ ان يرافقه مجهود مواز من المواطن، القادر بسلوكه الاستهلاكي الرشيد والمسؤول على حماية نفسه بنفسه من الافراط في الاستهلاك والانفاق رغم الاعتراف بأن واقع السوق قد يفرض عليه احيانا ارتفاعا في تكاليف «قفّته»..
وفي ما يلي نص الحوار:
٭ بعد سنوات من بداية تطبيقها، كيف تقيّمون اليوم سياسة تحرير الأسعار في بلادنا؟ هل انتفعت منها الدولة والمواطن على حد السواء؟
تندرج سياسة تحرير الأسعار في إطار منظومة متكاملة للاصلاح الاقتصادي أقرت منذ نهاية 1986، بهدف تحرير دواليب الاقتصاد والرفع من أدائه وحفز المبادرة الخاصة وتعزيز تنافسية الانتاج الوطني بصفة تدفع التصدير وتعزز مستوى النمو وتسهم في تحسين رفاه المستهلك.
وتعد سياسة الأسعار احدى أهم آليات السياسة الاقتصادية خاصة فيما يتعلق بحفز الانتاج وتحديد مستوى الانفاق باعتبار ان السعر يمثل في ذات الوقت دخلا للمنتج وآلية لتوزيع الدخل بالنسبة للمستهلك.
ولتقييم آثار سياسة تحرير الاسعار، بعدما يزيد عن عشرين سنة من بدء تنفيذها، لابدّ من الإشارة الى جملة من العوامل ومنها بالخصوص المنهجية المتبعة في تنفيذ برنامج تحرير الأسعار ومجال هذا البرنامج وآثاره على السوق والأطراف المتدخلة في العملية التبادلية.
ففي جانب المنهجية المتبعة، وتأكيدا لخصوصية النموذج التونسي، تم اعتماد مبدأ التدرج في التحرير فبرنامج التحرير امتد تنفيذه على قرابة عشر سنوات (19861995) وشمل في مرحلة اولى مستوى الانتاج ثم تم توسيعه في 1990لطور التوزيع. كما تم قدر الامكان العمل على ضمان التوازي بين تحرير الأسعار وتحرير المبادلات الخارجية لتلافي الآثار السلبية لأي نقص في المنافسة الداخلية.
كما تم في ذات الوقت اتخاذ جملة من الاجراءات المصاحبة لبرنامج التحرير وهي اجراءات تهدف الى التحكم في التكلفة وتحسين الجودة من خلال برنامج تأهيل المؤسسات وكذلك للتوقي من الممارسات الاحتكارية عبر سن إطار قانوني للمنافسة وتركيز الهياكل المسؤولة عن تنفيذه. هذا فضلا عن الإبقاء على إمكانية اللجوء الى بعض الاجراءات الوقتية لمجابهة اي ارتفاع مشط للمواد الحرة.
أما في خصوص مجال برنامج تحرير الأسعار، فقد تم الاستناد في ضبطه الى جملة من المعايير منها بالخصوص مدى توفّر درجة كافية من المنافسة تؤهل القطاع للتحرير وكذلك مدى حساسية المنتوج في إنفاق الأسر.
فمع منتصف الثمانينات كانت أغلب الأسعار تخضع الى نظام التأطير الكلي، حيث تتدخل الإدارة في تحديد أسعار كل المنتوجات تقريبا. وهذا التمشي أدى وظيفته في ظروف تاريخية معينة الا ان التجربة بيّنت مساوئ هذا النظام وعدم ملاءمته لتطوّر النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
ومع نهاية برنامج التحرير، بلغت نسبة التحرير 87٪ في مستوى الانتاج و80٪ في مرحلة التوزيع. الا انه من الأهمية بمكان الاشارة الى ان تحرير الأسعار لم يشمل المنتوجات الحساسة والاستراتيجية مثل المواد المدعمة على غرار السميد والخبز والفرينة والعجين الغذائي والزيت النباتي وكذلك الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء، والصحة والنقل. هذا الى جانب المنتوجات الأخرى التي تعتبر حساسة بالنسبة للمواطن والتي لا تتوفر فيها المنافسة الكافية حتى يقع تحريرها.
أما فيما يتعلق بآثار التحرير على السوق، وعلى عكس ما كان البعض يعتقد، بينت التجربة ان تحرير الأسعار أدى الى نتائج ايجابية على عدة أصعدة ومنها بالخصوص:
التحكم في الأسعار: فبعد ان كان معدل التضخم في الثمانينات يتجاوز رقمين، تم منذ منتصف التسعينات احتواء التضخم في مستوى معدل سنوي لا يتجاوز 3٪ على المدى الطويل. وهو ما مكن من حماية القدرة الشرائية للمواطن اذا ما قارنا النتائج الموضوعية بالبلدان الشبيهة او حتى الأكثر منا امكانيات نلاحظ ان تونس توفقت في التحكم في مستوي التضخم.
كما ان تحليل تطوّر أسعار المواد الحرة والمؤطرة يبرز ان تطوّر الأولى لم يتجاوز المعدل العام.
تطوّر الانتاج الوطني وخاصة الصناعي بارساء مناخ تنافسي حقيقي ادى الى تنويع العرض في السوق وتحسين جودة المنتوج الوطني الذي اصبح قادرا على المنافسة في الداخل والخارج.
حفز المبادرة وظهور أنماط جديدة من النشاطات والأساليب العصرية في التجارة والصناعة والخدمات مما ساهم في تطوير رفاهة المستهلك وتلبية طلباته.
٭ ألا ترون ان تقليص نسبة الأسعار المؤطرة الى 13٪ مقابل توسيع نسبة الأسعار المحررة الى 87٪ فيه إضعاف للمقدرة الشرائية للتونسي خاصة ان بعض المنتجين والتجار استغلوا هذه الحرية للمبالغة والترفيع في أسعار مواد ضرورية (مثل مواد التنظيف والغسيل الزيوت النباتية مشتقات الحليب الحلويات والعصائر والمشروبات المصبرات...).
إن تحرير الأسعار لا يعني بالضرورة ارتفاعها ذلك انه متى توفرت درجة معقولة من المنافسة في السوق الا واقتربت الأسعار من مستوى كلفتها الحقيقية واستفاد المستهلك من ذلك. لهذا تعتبر آليات السوق أفضل محدد لمستوى الأسعار بالاعتماد على قاعدة العرض والطلب. وانطلاقا من هذه القناعة، فقد ربط الفصل الثاني من قانون المنافسة والأسعار بين مبدأي حرية الأسعار وحرية المنافسة في السوق ويتركز الاهتمام على تطوير مستوى المنافسة في السوق وعلى ضمان التوازن بين العرض والطلب بما يؤمن استقرار الأسعار.
من جهة ثانية، ومثلما تمت الاشارة إليه في السؤال السابق، فقد تم الإبقاء على اهم المواد الأساسية والحساسة للمستهلك ضمن دائرة الأسعار غير الحرة.
ونحن نعمل باستمرار بالتشاور والتنسيق مع مختلف الأطراف المعنية على تطوير سلوكيات الفاعلين الاقتصاديين طبقا لما يقتضيه اقتصاد السوق من إعادة توزيع للأدوار بين الإدارة من جهة والمهنيين والمستهلكين من جهة أخرى.
وقد أظهر القطاع الخاص كثيرا من النضج في تعامله مع تحرير الأسعار، ولو رجعنا الى قراءة النتائج خلال فترة التحرير للاحظنا ان الأسعار المحررة لم تتطور اكثر من الأسعار المؤطرة، بل هناك تداول في مستوى التضخم حسب نظام الاسعار وذلك نتيجة لعوامل موضوعية لها مبرراتها.
وحسب المعطيات المتوفرة، فإننا لم نسجل استغلالا لتحرير الأسعار بل بالعكس، وحتى في الظروف الصعبة فقد أبدى القطاع الخاص شعورا بالمسؤولية تجاه المجموعة الوطنية وانخرط في مجهود المحافظة على الطاقة الشرائية.
كما يجب ان لا تغيب عنا المعطيات الموضوعية التي ميّزت السنوات الأخيرة وخاصة ارتفاع أسعار المواد الأولية الموردة وأسعار النفط في الأسواق العالمية والتي تنعكس على تكاليف الانتاج وهذا ليس من مسؤولية المنتجين ولا التجار بل هي عوامل خارجية لا يجب ان يتحمل المنتج او التاجر تبعاتها والا فإن منظومة الانتاج والتوزيع سوف تضطرب لو منعت من تطبيق أسعار تعكس حقيقة التكاليف وهو ما لاحظناه في كثير من المنظومات التي تشكو صعوبات نتيجة التأخير في مراجعة الأسعار، وهذه المعادلة الصعبة هي التي تحرص سياسة الأسعار على ضمانها للمحافظة على مصالح جميع الأطراف دون إفراط ولا تفريط.
وبالنسبة للمواد التي أشرتم اليها فإن تطور أسعارها مرتبط إما بتطوّر الأسعار العالمية او بارتفاع كلفة مدخلات وعوامل الانتاج المحلية من أجور ومواد أولية محلية (مثلما هو الحال لمشتقات الحليب تبعا لمراجعة الأسعار عند الانتاج لتحفيز الفلاحين وضمان دخل معقول يحفز الانتاج والاكتفاء الذاتي وبالتالي الأمن الغذائي).
يتذمّر المواطن أحيانا من إعطاء الاولوية في بعض المواد للتصدير على حساب السوق المحلية وهو ما يتسبب في نقص عرضها في أسواقنا وفي ارتفاع أسعارها وفي الاحتكار وفي حرمان التونسي منها مثلما حصل مؤخرا مع الاسمنت أو في السابق مع الحليب وزيت الزيتون والحديد والسمك والغلال والتمور... فلماذا لا تفكر الوزارة في مزيد تعديل الكفة بين التصدير والسوق المحلية؟
ترتكز سياسة تونس في مجال التجارة الداخلية على ضمان التزويد المنتظم للسوق من كافة المنتوجات بأسعار معقولة. وحيث أن الخيار الوطني في المجال هو تزويد السوق بالاعتماد على الانتاج الوطني، وهو ما أكده سيادة الرئيس زين العابدين بن علي في عديد المناسبات، يتطلب نجاح هذه السياسات تضافر جهود جميع الاطراف ومواصلتها وتكثيفها. وأسهمت سياسة تكوين المخزونات التعديلية في ضمان دخل مجز للمنتجين، خاصة عند ذروة الانتاج، وتأمين انتظامية تزويد السوق والمحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن.
والنجاح في تأمين انتظامية تزويد السوق، لا يعني استبعاد بقية السياسات أو عدم أخذها بالاعتبار، ولا أدلّ على هذا إلا مواصلة بلادنا سياسة الانتفاح وتوسيع مجال الاندماج الاقتصادي. ولنا أهداف في مجال التصدير واضحة المعالم تتعلق خاصة بمزيد تنويع المنتجات المصدرة والاسواق المستهدفة. ويعتبر التصدير من أولويات السياسة الاقتصادية إذ هو خيار استراتيجي ينبني عليه منوال التنمية، فلا ينبغي أن نغلق اقتصادنا بحجة حماية السوق الداخلية ونمنع أي عملية للتصدير. هذا خطأ في الاختيار، سياسة الحماية في الاتجاهين التصدير والتوريد لها انعكاسات سلبية على أداء الاقتصاد الوطني. ولا يجوز التفكير في اتجاه واحد أي منع التصدير بحجة توفير المنتوج للسوق الداخلية فهذا التمشي لا يمكّن من إيجاد أسواق ولا المحافظة عليها. إن هذا التوجه يضيع الفرص التصديرية بصفة نهائية.
علينا أن نكون أكثر واقعية في التعامل مع مقتضيات السوق لما فيه من فوائد وتقاسم الفرص مع الشركاء، إذ أن التصدير يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، وخاصة عند توفر فائض في الانتاج، كما أن التوريد يقع اللجوء اليه عند الحاجة شرط أن لا تضر هذه العملية بالمنتج والمستهلك. ولو قبلنا، فرضا، بمنع التصدير حماية للمستهلك، فإن ذلك قد يؤدي الى تدهور الاسعار والاضرار بمنظومات الانتاج.
وهنا أود تقديم المزيد من الايضاحات بخصوص مبادلاتنا الخارجية للمنتوجات الفلاحية والفلاحية المصنعة، حيث لم تتجاوز حصتها 8٪ من إجمالي الصادرات والواردات خلال الفترة من سنة 1997 الى 2008 (مع ارتفاع قيمة الواردات مقارنة بقيمة الصادرات) مقابل معدل عالمي ب10٪. مع التأكيد على أنه، بالتنسيق مع جميع الاطراف المتدخلة، يتم ضبط برنامج سنوي لتصدير بعض المنتجات الفلاحية الموسمية على غرار زيت زيتون والتمور، آخذين في الاعتبار انتظامية تزويد السوق الداخلية من هذه المنتجات.
وإن تسجيل بعض الضغوطات في تزويد السوق من منتوج ما يتطلب تشخيص الوضع والوقوف على الاسباب الحقيقية ومعالجتها، وأثبتت التجربة أن منع التصدير لوحده لا يعالج بالضرورة نقص العرض بالسوق الداخلية.
ونحن ساعون دوما الى التوفيق بين انتظامية تزويد السوق الداخلية والايفاء بالتزاماتنا الخارجية والمحافظة على الاسواق.
ماذا عن أزمة اللحوم الحمراء التي طالت أكثر من اللازم وأدت الى إلهاب الاسعار... فوزارة الفلاحة تقول إن الانتاج جيد وكاف لكن المشكل في مسالك التوزيع (المسالخ الجزّارة) حسب رأيها وترفّع في الاسعار وتمارس الاحتكار... فهل لهذا الحد عجزت وزارة التجارة عن تنظيم مسالك توزيع اللحوم الحمراء؟
بالنسبة للحوم الحمراء، لابد من الاشارة الى أن البلاد عرفت سنوات جفاف بالاضافة الى ما شهدناه من ارتفاع في أسعار الاعلاف الموردة إثر الازمة العالمية، وقد أدى ذلك الى ارتفاع تكاليف الانتاج مما حدا ببعض الفلاحين في بعض الجهات الى التفريط في القطيع.
وتبرز المعطيات المتوفرة نقصا في عرض العجول والاغنام في أسواق الدواب في كافة الجهات، وقد بلغ النقص خلال الخمسة أشهر من السنة حوالي 20٪ بالنسبة للابقار و7٪ بالنسبة للاغنام، وازدادت حدة هذا النقص في الفترة الاخيرة.
وهذا الوضع أدى الى ارتفاع أسعار اللحوم على مستوى الجملة والتفصيل حتى في فصل الربيع الذي عادة ما يتميز بانفراج أسعار اللحوم. وهذا الوضع لا تنفرد به تونس حيث أن عديد دول المنطقة تشكو من نفس الوضع.
إجمالا فإن مشكلة القطاع عميقة ولا يمكن بحال من الاحوال تحميلها لجهة بمفردها. فليس هناك طرف ضحية وآخر مسؤول بل هناك وضع يستحق المعالجة وهو ما يتم حاليا بالتشاور مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري ومع مختلف الهياكل المهنية. ونحن ساعون بالتنسيق مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والمهنيين على إيجاد الحلول المناسبة والتي تكفل حقوق مختلف المتدخلين من منتجين وتجار ومستهلكين.
وبالنسبة لما أشرتم اليه في خصوص دور المسالخ والقصابين وبصفة عامة مسالك التوزيع، لابد من الاشارة الى أن نفس هذه المسالك هي التي كانت في سنوات الوفرة تعكس أسعارا معقولة. لذا لا يجوز اليوم تحميلها مسؤولية تأجيج ارتفاع الاسعار. مع الاشارة الى أن مسالك التوزيع تحظى بعناية خاصة في نطاق برنامج التأهيل، والوزارة غير عاجزة عن مراقبتها لكن هناك تدرّج سيعطي أكله في المستقبل حال انتهاء برنامج التأهيل.
وأود الاشارة الى أننا نعول على دور مختلف الاطراف في الخروج من هذه الازمة. وليس هنالك تحاليل مختلفة في خصوص تشخيص الوضع. ومن منطلق التعويل على الانتاج الوطني، تم في السنوات الاخيرة توريد أعداد هامة من عجول التسمين بحوافز جبائية، إلا أن ارتفاع كلفة تربيتها (الأعلاف) جعل من الصعب توافق المنتجين والقصابين على مستوى أسعار بيعها بصفة تمكن من تعديل مستوى العرض والتحكم في الاسعار.
ولابد من الاشارة في هذا المجال الى أن الارتفاع الملحوظ في أسعار اللحوم الحمراء شمل خاصة إقليم تونس الكبرى نظرا لارتفاع الطلب... وبمجرد الابتعاد ب50 أو 60 كلم عن العاصمة تعود الاسعار الى رشدها...
ومشكل نقص الخبز الذي تشكو منه عدة مناطق خاصة في المساء رغم إعادة هيكلة القطاع؟
وضعت الحكومة برنامجا لإصلاح منظومة الدعم شرعنا في تطبيقه منذ سنة 2008. وتشمل هذه الاصلاحات النوعية ترشيد نفقات الدعم في مشتقات الحبوب والزيوت النباتية.
وقد بيّنت تطورات الأسواق العالمية والارتفاع الحاد لأسعار المواد الغذائية خلال 2008 ضرورة المضي قدما في تحفيز الانتاج الوطني لتحقيق الأمن الغذائي وكذلك الحاجة المتأكدة لمزيد اصلاح منظومة الدعم نظرا لما تتحمله ميزانية الدولة من أعباء كبيرة للمحافظة على استقرار الأسعار الداخلية للمواد الحساسة في مستويات تتماشي مع القدرة الشرائية للمواطن.
وتركز سياسة اصلاح الدعم على جملة من المبادئ منها بالخصوص:
الإبقاء على صندوق التعويض كآلية تكرّس تلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي للمنوال الوطني للتنمية.
تصويب تدخلات الصندوق نحو الفئات المستحقة واقتصارها في الاستهلاك الأسري دون غيره من الاستعمالات.
مساهمة الصندوق في تحفيز الانتاج الوطني من خلال تحمل الترفيع في أسعار البيع عند الانتاج.
تنويع عرض المواد البديلة للمواد المدعومة بأسعارها الحقيقية لتوجيه طلب الفئات الميسورة نحوها.
تكثيف مراقبة استعمال المواد المدعومة في غير أوجهها.
العمل على ترشيد استهلاك المواد المدعومة وتفادي التبذير خاصة وأن بعض هذه المنتوجات مورد بالعملة الصعبة.
وفي هذا السياق تمّ وضع برنامج لإصلاح منظومة صنع الخبز يتركز على:
تصنيف المخابز الى ثلاثة أنواع (أ/ ب/ج).
ترشيد الكميات المحولة من الفرينة حسب طاقة التحويل لكل مخبزة والحد من استعمال الفرينة المخصصة للخبز المدعم في أغراض أخرى.
ضمان تزويد كافة الجهات بالخبز المدعم بصنفيه كبير و«باڤات».
إلا أن ترشيد استهلاك الفرينة حسب حاجيات المواطن قد ينجرّ عنه عدم ترك فائض من الخبز الى ساعات متأخرة من الليل، فإذا ما قبلنا بضرورة توفير الخبز في هذا الوقت سوف نضطرّ الى تصنيع كميات إضافية من الفرينة والرجوع الى ظاهرة الخبز البايت التي تفاقمت في السنوات الأخيرة وهي ظاهرة غير مقبولة لما لها من تكاليف غير مبرّرة.
ويجدر التذكير بأن المنظومة مازالت في بدايتها وهي تتميز بالمرونة حتى تستجيب الى حاجيات المواطن دون إفراط، فكلما لاحظنا نقصا في التزويد لأسباب مختلفة كالتزايد الموسمي للكثافة السكانية في المنطقة يقع التدخل بالتنسيق مع المهنة لتدارك أي خلل. ومصالح الوزارة يقظة، وتتابع عن كثب وضعية تزويد السوق وتحرص على توفير هذه المادة بالكميات الكافية.
وعموما ليس هناك أي موجب لنقص الخبز في أي مكان من البلاد، وهنا لا بدّ أن نشير الى مسؤولية المواطن وضرورة توخي سلوك حضاري إزاء المنتوجات الغذائية فلا يقوم بتبذيرها باعتبار أن الدولة توفرها بأسعار منخفضة وتتحمل أعباء دعمها.
وحتى أسعار الغلال في الأشهر الأخيرة لم تسلم من انتقادات المواطن رغم أن أسعار الجملة تبدو عادية.. فأين المراقبة الاقتصادية على مستوى تجار التفصيل (الخضارة)؟
ما نلاحظه منذ بداية السنة أن عرض الغلال في الأسواق كان دون المأمول والمستوى العادي، إذ تبيّن الأرقام أن كميات الغلال الواردة على السوق ذات المصلحة الوطنية ببئر القصعة قد تراجعت بصفة محسوسة لأسباب موضوعية مرتبطة بالعوامل المناخية أساسا وخاصة نقص الأمطار، وأدى ذلك الى ارتفاع الأسعار عند الانتاج. وليس صحيحا أن أسعار الجملة كانت منخفضة، بالعكس سجلت أسعار الغلال على مستوى الجملة في الفترة الأخيرة ارتفاعا بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
وكما أشرت، هناك أسباب موضوعية لتراجع العرض أولها ظروف مناخية غير ملائمة في فترة الأزهار بالنسبة للغلال ذات النوى، زد على ذلك نقص الأمطار في عدة جهات من البلاد وخاصة الوسط والجنوب.
والاتهام الموجه ل«الخضار» لا أساس له من الصحة فلو كان ذلك صحيحا لكنا لاحظنا ارتفاعا في أسعار المنتوجات الأخرى المتوفرة بكميات كافية، فمثلا نزلت أسعار الطماطم والفلفل والبطاطا والدلاع والخوخ والفراولة الى مستويات معقولة عندما توفر الانتاج وارتفع مستوى العرض.
ولا بدّ من الاشارة الى أن هوامش ربح تجارة الخضر ليست حرة.
وعلى ذكر ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية عند الانتاج (خضر غلال لحوم حليب..) فإنه لا بدّ من التذكير دوما أن الفلاح ما هو إلا مستهلك «تونسي» أصبح بدوره كثير النفقات خاصة في ظل تطور نسق المعيشة في الأرياف ولم يعد يكتفي كما في السابق بنفقات بسيطة ومحدودة، فاليوم في الريف هناك الهاتف الجوال والأنترنات والكهرباء والبارابول.. ومن الطبيعي أن يضطرّ الى الترفيع في أسعار منتوجاته ليجابه هذه التكاليف.
على ذكر المراقبة الاقتصادية، يتذمّر العاملون فيها من ضعف عددهم (أعوان المراقبة) مما يؤثر على نجاعة عملهم وتدخلاتهم في كل مكان وزمان.. ألا يوجد تفكير للرّفع من هذا العدد؟
لقد توسّعت صلاحيات المراقبة الاقتصادية بصفة كبيرة خلال العقدين الأخيرين إذ صدرت عديد القوانين التي أهّلت جهاز المراقبة في مجالات جديدة كما أن تطور البنية الاقتصادية وتشعب أساليب النشاط التجاري وظهور حاجيات جديدة للمواطن جعلت من الضروري أن يتأقلم جهاز المراقبة مع هذه المقتضيات وقد قمنا بعديد الاجراءات في هذا الاتجاه، كما أننا واعون بمحدودية الامكانيات الموضوعة على ذمة جهاز المراقبة وسنعمل على تدعيمها في حدود ما تسمح به ظروف الميزانية، بتحسين ظروف وسائل العمل الى جانب وضع برنامج انتدابات جديدة حتى نلبّي الحاجيات المتزايدة للمراقبة الاقتصادية، وفي هذا النطاق سيتم هذه السنة انتداب 60 عونا من اختصاصات مختلفة كما نحرص على تكوين الأعوان في مجالات اهتماماتهم حتى نتدارك النقص العددي بالرفع في أداء الجهاز بتحسين مستوى الأعوان. هذا علاوة على المنظومات الاعلامية التي تمّ الانطلاق في استغلالها وخاصة منظومة متابعة المواد المدعومة (فرينة مدعمة/ زيت نباتي مدعوم).
لوحظ في المدة الأخيرة تراجع عن اعتماد كراس الشروط في عدة مهن وحرف والعودة الى نظام الترخيص، لماذا هذه «العودة»؟
ليس هناك تراجع عن مبدإ حذف التراخيص والعمل بنظام كراس الشروط. فالمبدأ هو الحرية والترخيص هو الاستثناء. ونحن هنا أمام استثناء.
فالاستثناء لهذا التمشي والتوجه الراسخ والثابت في القوانين المنظمة للقطاعين التجاري والحرفي هو ما حصل بالنسبة لنشاط وكيل الاشهار التجاري المنظم بقانون خاص، اذ تم فعلا التراجع عن العمل بنظام كراس الشروط المنظم لقطاع الاشهار التجاري والرجوع للعمل بنظام الترخيص المسبق باعتبار ما شاب القطاع من إشكاليات على مستوى التطبيق وما حصل من تجاوزات من قبل العديد من المتدخلين، وخاصة نفاذ الأجانب دون التقيد بشروط تعاطي النشاط والحال أننا في طور المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتحرير قطاع الخدمات.
٭ ملّ المواطن من تبادل التّهم بين مختلف الأطراف (الديوانة البلدية المراقبة الاقتصادية والصحية) حول السّلع المهرّبة والتي تباع في الأسواق الموازية.. فلماذا لا يقع تحديد الأدوار حتى تتضح الرؤية حول المسؤول عنها؟
التجارة الموازية ظاهرة عالمية لا تختص بها تونس وهي نتيجة حتمية للانفتاح على الخارج وتحرير النشاط الاقتصادي.
نحن واعون بضرورة احتواء هذه الظاهرة في حدود معقولة حتى لا يتضرر النسيج الصناعي والتجاري المنظم ولنا برنامج محدد تم اقراره من طرف الحكومة ويتم تنفيذه بالاشتراك مع كافة الوزارات والأطراف إلا أن المسألة لها أبعاد متشعبة ولا بدّ من معالجتها بتأن وحذر ولكن بالحزم اللازم.
والتصدي لهذه الظاهرة مسؤولية جماعية لمختلف الأطراف المتدخلة في السوق من مهنيين ومستهلكين وأجهزة إدارية.
وفي الجانب الاداري لا يوجد اشكال في تحديد دور كل طرف، فهذه مسألة محسومة بمقتضى النصوص القانونية المنظمة لصلاحيات كل جهة، وأكثر من ذلك، ففي إطار احكام التصدي للظاهرة رفعت مختلف الأجهزة الرقابية من درجة التنسيق بينها وتطور التعاون فيما بينها حيث توجد فرق مشتركة للرقابة الميدانية.
كما تم احداث مجلس وطني لمكافحة التقليد يتولى مهمة تنسيق جهود مختلف الأطراف المتدخلة في هذا المجال.
٭ وماذا عن مجلس المنافسة؟ هل ترون أنه قائم بدوره على أفضل وجه في ضمان شفافية المعاملات والمنافسة الشريفة بين المتدخلين والاقتصاديين وفي حماية المواطن من كل ذلك؟
يجب التفرقة بين الممارسات المخلة بالمنافسة التي يرجع الفصل فيها إلى مجلس المنافسة وبين مفهوم المنافسة غير المشروعة التي ليست من صلاحيات مجلس المنافسة وتعود معاينتها إلى أجهزة المراقبة المنتمية إلى مختلف الوزارات ويتم تتبعها أمام القضاء العدلي.
كذلك الشأن بالنسبة لمسائل حماية المستهلك، فهناك هياكل متخصصة تسهر على ذلك وهي تعود أساسا إلى وزارة التجارة والصناعات التقليدية (مصالح مختصة في كامل الجهات) وإلى بعض الوزارات مثل الصحة والفلاحة وتكنولوجيات الاتصال وغيرها..
وفي الجانب الراجع بالنظر لمجلس المنافسة، لا بد من الاشارة إلى أن نشاطه شهد في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا في المجالين الاستشاري والقضائي. ففي الجانب القضائي تصدى المجلس إلى عديد حالات «التواطؤ» على الأسعار أو حالات الاستغلال المفرط لوضعيات هيمنة على السوق التي عرضت عليه أو تعهد بها (وكالات الأسفار / الارساليات القصيرة/ العمولات البنكية).
٭ بماذا تنصحون المستهلك التونسي خاصة خلال الفترة القادمة التي تتميز بتواتر مواسم الاستهلاك وبكثرة الانفاق.. وهل ترون أن مقاطعة شراء بعض المنتجات الباهضة حل ناجع؟
نحن مقبلون على فترة تتميز بتواتر المواسم مثل فصل الاصطياف ورمضان ثم العودة المدرسية وعيد الفطر. وكلها مواسم يزداد فيها الاستهلاك وفيها حاجيات خصوصية تثقل كاهل ميزانية العائلة، ولهذه الأسباب تحرص الوزارة على توفير تلك الحاجيات بالكميات اللازمة حتى لا ترتفع الأسعار. هذا إضافة إلى الشراكة التي أرست الوزارة مع مكونات المجتمع المدني على غرار منظمة الدفاع عن المستهلك والمنظمة التونسية للأمهات والمنظمة التونسية للتربية والأسرة والاتحاد الوطني للمرأة التونسية وكذلك وسائل الإعلام.
وإن الجهد الذي تقوم به الحكومة ومختلف الأطراف المتدخلة لا يعفي المواطن من تحمل مسؤوليات تصرفاته وسلوكه الاستهلاكي. وذلك بأن لا ينقاد وراء المغريات دون النظر إلى امكانياته الحقيقية..
وأريد أن أؤكد أن المواطن التونسي بإمكانه تحمل جانب من المسؤولية. فكل الأطراف في تونس اليوم مسؤولة من وزراء إلى مسؤولين إدرايين وغيرهم وعلى المواطن أن يكون بدوره مسؤولا في هذا المجال. فهو قادر على التمييز والاختيار واتخاذ القرار المناسب عندما تتوفر لديه المعلومة. ولا يجوز أن يبقى دائما تحت حماية الإدارة. واعتقادي راسخ بأن المواطن قادر على اجتياز تواتر المواسم الاستهلاكية من خلال البرمجة المسبقة لشراءاته وتخصيص ميزانية لكل النفقات، دون الانسياق وراء الإغراءات والشهوات..
٭ إلى أين بلغ برنامج تأهيل الخدمات وكذلك برنامج تحرير الخدمات مع الاتحاد الأوروبي؟
يحتوي برنامج تأهيل قطاع الخدمات على مكوّنين اثنين: مكوّن أفقي ومكوّن موجّه للمؤسسة.
أما المكوّن الأفقي، فيهتم بتطوير محيط المؤسسة ومناخ الأعمال، وهو يقوم أساسا على اجراء تشخيص للإطار التشريعي والترتيبي المنظم ل8 قطاعات خدماتية واقتراح برنامج عمل يُعنى بتطويره. هذه القطاعات هي الخدمات الصحية، والسياحة، والنقل، واللوجستية، وتكنولوجيات المعلومات والاتصال، والخدمات الموجهة للمؤسسة، والخدمات المالية وتجارة التوزيع.
ويهدف التشخيص القانوني بالأساس إلى إجراء تحليل مُعمّق للمجالات التي ذكرتها بغاية التعرف على الامكانيات الحقيقية للرفّع من مستوى أداء قطاع الخدمات ككل وجعله يضطلع بدور أكبر في مجال التنمية وتنشيط الاقتصاد.
أما المكوّن الثاني، فهو موجه للمؤسسة الخدماتية ويتم في إطاره السعي إلى تشخيص وتقييم القدرات الانتاجية والتنافسية وسبل الارتقاء بأدائها ومردوديتها بالتركيز على جوانب تخص على سبيل الذكر تطوير قدراتها التنظيمية والتصديرية، وتهدف كذلك إلى ارساء ثقافة الجودة كمكوّن أساسي ضمن ثقافة المؤسسة.
ويمكن حوصلة أبرز الأشواط التي تم قطعها في إطار تنفيذ هذا البرنامج الطموح والمراحل التي هي الآن حيّز المتابعة وتلك التي تمت برمجتها خلال الأشهر القادمة بالنسبة لكل من التشخيص القانوني للقطاعات والتشخيص الداخلي للمؤسسات على النحو التالي.
ففيما يتعلق بالتشخيص القانوني، تمّ في مرحلة أولى ارساء قاعدة بيانات قانونية تتضمن النصوص التشريعية والترتيبية واللوائح الدولية المنظمة لهذه الأنشطة. في مرحلة ثانية، وتتمّة لهذا المجهود، تمّ إعداد تشخيص قطاعي للنّصوص التشريعية والترتيبية المنظمة لكل نشاط على حدة. وينتظر أن تشهد الأسابيع المقبلة مناقشة التقرير النهائي للتشخيص القانوني صلب المجلس الوطني للخدمات. وسيعقب التشخيص القانوني تشخيص ميداني يكون مرجعا إضافيا لاعداد مخطط تطوير الاطار التشريعي والترتيبي للأنشطة المعنية.
أما فيما يتعلق بالتشخيص الداخلي للمؤسسات، وموازاة للتمشّي الذي تمّ اعتماده في إعداد التشخيص القانوني لأنشطة الخدمات المعنية ببرنامج تأهيل الخدمات في مرحلته النموذجية، تمّ إحداث لجان قطاعية تترأسها المهنة تُعنى بكل قطاع على حدة.
كما تم استثمار البيانات المضمّنة بمطالب الترشحات التي كانت ترد منذ انطلاق البرنامج في صائفة 2009 على مصالح الوزارة في دراسة وتدقيق التوجهات الاستراتيجية.
وبالتوازي مع تواصل تدفّق مطالب الترشحات، تم تنظيم سلسلة من الندوات الاقليمية والجهوية، ويجري في هذا السياق العمل على استغلال المقترحات والتوصيات المنبثقة عن مختلف هذه الندوات لمزيد التدقيق في جاهزية ومؤهلات كل قطاع وذلك في نطاق التشخيص القطاعي Pré diagnostic sectoriel الذي مهّد لعملية تشخيص المؤسسات التي سوف تنطلق بشراكة بين خبرات دولية متخصصة وخبرات وطنية.
وبالتوازي مع عمليات تشخيص المؤسسات، تم مؤخرا الانطلاق في اجراء عملية اختبارية تشمل عينة من المؤسسات المستفيدة بالمرحلة النموذجية وتتعلق بإرساء نظم ابتكار داخل عينة من المؤسسات شملت 25 مؤسسة وذلك بالتعاون مع وكالة التعاون الالماني GTZ في انتظار تعميمها خلال المراحل اللاحقة للبرنامج.
وبخصوص تقدم المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي بخصوص تحرير قطاع الخدمات فقد تم عقد جولتين من المفاوضات الثنائية بين الجانبين التونسي والاوروبي تخللتهما لقاءات فنية عبر التخاطب عن بعد.
وتؤكد تونس خلال هذه المفاوضات على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التفاوت في اتخاذ الالتزامات بين الجانبين باعتبار الفارق التنموي «وإيلاء أهمية الى مسألة حذف الحواجز أمام اسداء الخدمات عبر التنقل الوقتي للأشخاص الطبيعيين» وترسيخ مبدأ الشفافية.
وتواصل وزارة التجارة والصناعات التقليدية التنسيق، في اطار هذه المفاوضات، مع مختلف الوزارات والهياكل المعنية والجامعات المهنية.
إذا كان المستهلك غير واع أحيانا بافراطه في الاستهلاك خلال بعض المناسبات، خاصة الدينية، لماذا لا تفكر الوزارة أحيانا في خطة يتم بموجبها إلغاء الاحتفال ببعض المناسبات بصفة استثنائية اذا كان الوضع الاقتصادي العام او مقدرة المواطن لا يسمحان بتحمّل بعض الاعباء؟ (كالدعوة مثلا الى التخلّي عن الاحتفال بأحد الأعياد الدينية أو المناسبات).
لا يمكن ان نحكم على المستهلك بأنه غير واع في المطلق الا أنه لا يخلو أي مجتمع من الاستثناءات وذلك نتيجة عوامل ثقافية واجتماعية متشعبة، فالافراط في الاستهلاك في المناسبات موجود ولكن لا يهم كل المستهلكين، ومن الطبيعي أن يرتفع الطلب ونحن حريصون على توفير المنتوجات المعنية ولكن المطلوب من المواطن هو عدم اللهفة والمبالغة في شراء كميات تفوق حاجته او التسرع في الشراء قبل التحري.
نحن في تونس قادرون على تلبية حاجيات المواطن ولسنا في حاجة الى مقاطعة المنتوجات، لكن المطلوب فقط هو ترشيد حاجياتنا الاستهلاكية لتفادي العمليات الاحتكارية والتهاب الأسعار بدون موجب.
وتعمل وزارة التجارة باستمرار على التنسيق مع وزارة الشؤون الدينية خلال المناسبات والأعياد الدينية قصد توعية المواطن وحثه على ترشيد استهلاكه حتى وإن تعلق الامر بمناسبة دينية، وذلك حتى لا نصل الى الحلول القصوى (المقاطعة عدم الاحتفال) التي عادة ما لا يحبّذها التونسي.
ما دمنا نتحدث عن المناسبات الدينية... نعرف ان شهر رمضان المعظم بدأ يقرع الأبواب... كيف استعدّت له الوزارة لتأمين التزويد المنتظم للسوق من المواد التي يكثر استهلاكها في هذا الشهر؟ وهل من اجراءات اضافية لردع ظواهر الاحتكار والغش والترفيع في الاسعار التي تكثر في هذا الشهر؟
يعد شهر رمضان من بين المواعيد الاستهلاكية التي يتم الاعداد لها بصفة مسبقة، ولئن يشهد هذا الشهر ارتفاعا ملحوظا في استهلاك بعض المواد الغذائية فإن المظاهر التي تمت الاشارة إليها من غش واحتكار وترفيع في الاسعار لا يقترن ظهورها بهذا الشهر انما يرتبط بعوامل أخرى كالنقص في الانتاج او العرض مهما كانت الفترة من السنة.
ويلاحظ عموما ومنذ ما يزيد عن العشرين سنة تراجعا واضحا في مثل هذه الممارسات نتيجة تطور الانتاج وتحسن وتنوع العرض كما وكيفا بمختلف مسالك التوزيع توازيا مع تغير السلوك الاستهلاكي للمواطن وازدياد وعيه بأهمية توخي سلوك رشيد يراعي قدرته الشرائية ويتماشى مع حاجياته الحقيقية، مما قلّص من مظاهر اللهفة والاقبال المفرط على التسوق الذي يولد ضغطا حقيقيا على مستوى تزويد السوق وخسائر كبيرة للمجموعة الوطنية. وتؤكد نتائج المراقبة الاقتصادية تراجع حجم المخالفات المرتكبة من سنة الى أخرى خلال شهر رمضان وهو ما يؤكد صواب السياسات المعتمدة على مستوى تزويد السوق بصفة عامة.
أما بخصوص الاعداد لشهر رمضان 2010 فلم يكن مغايرا للاعداد لبقية المواسم أو المناسبات، فقد تم منذ بداية السنة وبالتنسيق والتعاون بين كافة المتدخلين من هياكل عمومية وخاصة ومنظمات مهنية استكمال كافة الاجراءات الهادفة لضمان حسن تزويد السوق خلال هذه الفترة (التي تتزامن مع ذروة الموسم السياحي وعودة التونسيين بالخارج)، بكافة المواد الاساسية وكثيرة الاستهلاك على غرار اللحوم الحمراء ومنتجات الدواجن والحليب.
وتم في هذا الاطار برمجة مستوى انتاج ومخزونات تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الاضافية من المواد الاستهلاكية التي يكثر عليها الاقبال خلال هذا الشهر الكريم كالحليب (مخزون تجاوز 51 مليون لتر) البيض (برمجة مخزون ب 82 مليون وحدة اضافة الى برمجة انتاج ب 140 مليونا) تمور (2000 طن) برمجة انتاج الدجاج يعادل 9000 طن خضر ورقية بحوالي 3400 هكتار...».
ونرجو في الختام ان تسير الامور على أحسن وجه ونعول مجددا على وعي التونسي بتوخي سلوك حضاري يعبّر فعلا عن تطوره ورقيه ويجعل من شهر رمضان كباقي أيام السنة كل ما يميزه هو طابعه الوجداني والروحاني المترسخ في قلوب كافة المسلمين سائلين الله أن يجعل هذا الشهر مباركا على كافة التونسيين والتونسيات.
* أجرى الحوار: عبد الحميد الرياحي وفاضل الطياشي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.