بقلم : الأستاذ حسان العباسي (مستشار جبائي حاجب العيون) الدكتورة أمة الله، الثورة التونسية ثورة كرامة، والكرامة سيدتي الفاضلة تشمل الحرية المسؤولة بينما لا يمكن للحرية المطلقة أن تضمن الكرامة ولا يمكن أن تنكري أن الإسلام جاء بكل القيم الإنسانية، وأذكرك هنا بقولة سيدنا عمر بن الخطاب الشهيرة في الحرية :«متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» ولا يمكن لك في بحثك عن السجع أن تضعي الإسلام نقيضا للديمقراطية. سألت هل تونس الإسلامية ممكنة؟ أظنه سؤالا إنكاريا وإلا متى لم تكن تونس إسلامية أو لعلك تتحدثين عن زمن حنبعل أو عليسة! ربطت سيدتي الكريمة بطريقة غير مباشرة بين الإسلام والانزواء والانقطاع عن الشعوب وكأن الإسلام دعا إلى ذلك وهذا يتناقض مع قول اللّه تعالى : {إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. فالإسلام يدعو إذا إلى التقارب والتعارف والتسامح والتعايش السلمي وإلى مكارم الأخلاق فقد قال صلى اللّه عليه وسلم : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» كما قال الشاعر أحمد شوقي :«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا» وهذا مربط الفرس في بقاء واندثار الشعوب... الأخلاق ثم الأخلاق فالمتأصل لا يخشى الإنفتاح على الحضارات والثقافات والسياسات الأجنبية من منطلق تشبثه بثوابته وقيمه. سألت عن معنى صعود الإسلاميين في تونس من خلال الانتخابات، هذا إن حصل سيدتي فهو نتاج للعملية الديمقراطية التي عبرت عنها بالحلم، فإما أن تحلمي بالديمقراطية وهذا حلم الجميع وإما أن تحلمي باللائكية وهذا شأنك ويجب احترامه، وهنا اسمحي لي أن أهمس إليك، لم يكن الإسلام يوما نقيضا للحرية كذلك لم تكن إيران يوما عربية ولن تكون تونس خمينية فنحن لعلمك سنة وأظنك تفرقين جيدا بين السنة والشيعة. أما قولك إن صعود أحزاب إسلامية في دولة مسلمة يؤشر إلى التطرف فهذا خلط يخصك بين الإسلام والتطرف قد نفهمه عند الغرب المغيب بالإعلام المسيّس أما عند دكتورة فاضلة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيصبح خروجا عن الموضوعية العلمية، التطرف سيدتي هو برنامج إنتخابي وقد يكون تطرفا يمينيا أو يساريا فالناخب المتطرف هو الذي سيختار بكل شفافية القائمة المتطرفة أما إذا كان الناخب ذا توجه إسلامي أو لائكي فسيختار أيضا ما تمليه عليه قناعاته فلا تتطرفي دكتورتي في الحكم على النوايا. وأنا أشاطرك الرأي تماما بأن التطرف الديني يولد الإرهاب وهذا التطرف لم يخل يوما من التاريخ ولكن وحدها الحكمة وقوة الحجة والتسامح واحترام الرأي المخالف والبرامج الاقتصادية القوية كفيلة بتجفيف ينابيع الإرهاب، وليست العزلة والأفكار الجاهزة والصور النمطية التي على العكس تفجر هذه الينابيع وتعطيها مبررا للوجود، وهنا لا أظنك تخالفيني الرأي أن الإسلام معتدل بإمتياز فلا يوجد اسلام معتدل وإسلام متطرف «إن الدين عند الله الإسلام» ولكن قراءة الشخص و ثقافته، وعلمه وتجربته تدفع به نحو تأويل شخصي لا يمكن أن يسحب على الجميع، وأطمئنك هنا أنه حتى الغرب يفرق جيدا بين الإسلام والإرهاب. قلت إن الغرب متشوق إلى ولادة تونس ديمقراطية وإنه سيحبط حتما بولادة تونس إسلامية، فما رأيك أن نفوض الغرب لانتخاب المجلس التأسيسي وهكذا نضرب عصفورين بحجر واحد نلغي حجة التأجيل إلى 16 أكتوبر ونريح الهيئات سواء العليا أو المستقلة من الكر والفر! أشك أنك مقتنعة بما تقولين. أما أن تونس الإسلامية «المتطرفة» التي سيضجر منها الغرب ولن تحميها جبال الشعانبي وخمير من الإستعمار المتلكك بالإرهاب فسلاحها الوحيد سيكون في وحدة أبنائها على إختلاف تياراتهم وقناعاتهم، سيكون بالحب والاحترام المتبادل وبتغليب العقل على الهوى. صدق من قال : إذا لم يكن للمرء عقل فإنه وإن كان ذا بيت على الناس هين». فيجب أن تعلمي سيدتي الكريمة أن الإسلام يقدس العقل المضبوط بالأخلاق فأهل المعرفة قالوا حياة النفس بالروح، وحياة الروح بالذكر، وحياة القلب بالعقل، وحياة العقل بالعلم أما الأخلاق فقد لخصها سيدنا علي كرم الله وجهه في الأبيات التالية: إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والعرف سادسها والبر سابعها والصبر ثامنها والشكر تاسعها واللين عاشرها والعين تعلم من عيني محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها والنفس تعلم أني لا أصدقها ولست أرشد إلا حين أعصيها أما ربطك بين وصول الإسلاميين إلى الحكم والتصحر الاقتصادي والثقافي وهجرة الغرب من تونس بدون رجعة فهذا كلام مجانب للصواب، متجن على الواقع فالغرب إبنة بلدي ينفتح كل يوم على الإسلام وما إنتشار البنوك الإسلامية في انحاء أوروبا إلا دليل على رجاحة الإقتصاد الإسلامي المبني على تقاسم المسؤولية بين رأس المال والعمل، فلا هو الرأسمالي الجشع ولا هو الإشتراكي المتواكل، إن بإختصار الاقتصاد الأقرب إلى النفس البشرية. أراك سيدتي الفاضلة، تخلطين بين حزب الدين وبين حزب يحترم مبادئ الدين، الشعب التونسي يعرف دينه كشعائر معرفة جيدة ولا يستحق وصاية ولكن تأطير الممارسات اليومية من بيع وشراء بالأمانة والصدق والعطف والمعروف وصلة الرحم والزواج بالحلم والصبر هو تأطير للعمل بالأخلاقي والحرص الدؤوب على نظافة اليد والتصرف الرشيد في المال العام مع الرفق بالعامل والمحتاج، هذه سيدتي مبادئ الدين وليست فقط الحدود التي لو عرفت شروطها لكنت أول المدافعين عنها. أقول لإبنة الخضراء، أجل فيك حرصك على استقلالية تونس ووحدتها، وهذا لن يتحقق إلا بتضامن أبنائها وصدق نواياهم في الوصول بتونس إلى الحداثة والتقدم والتفوق وهذا لن يكون إلا بالعلم وبالوفاق وباحترام الآخر. نصيحتي في الختام ماقال العرب: إذا جهلت فاسأل وإذا زللت فآرجع وإذا أسأت فآندم وإذا ندمت فأقلع أما رجائي فهو أن تقف كل النخب التونسية صفا واحدا ضد الفتن والتلاسن وتغليب المصلحة العليا على الحسابات الحزبية الضيقة فقد قال العرب في الفتن: أرى خلل الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرام فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها كلام جنبنا اللّه الفتن ووحد صفوفنا وعاشت تونس إسلامية ديمقراطية حداثية ولا عاش في تونس من خانها.