قيل عن ثورة الكرامة التي خلعت زين العابدين من منصبه كرئيس للدولة في 14 جانفي 2011 انها أول ثورة بدون قيادات في التاريخ المعاصر وإنها تلقائية وإنها ثورة التغيير الجذري لكامل الموروث القديم في تونس على الصعيد السياسي والاجتماعي والتربوي وغيره من مجالات الحياة التي يستحقها المواطن التونسي ولئن كانت ثورة الكرامة قد ذهبت بكبار المسؤولين الذين تناغمت رؤاهم في التفنن بقتل وتشريد وتجويع وتركيع المواطن في مختلف الدرجات ليكون بيدقا تابعا للحاكم أو أن يكون عبدا يستباح دمه من رموز النظام أو الأنظمة السابقة زمن الحماية أو بعدها ولكن ما قيل عنها من كبار السياسيين في العالم أو المفكرين أو حتى من أبسط الأشخاص قد يأخذ اتجاها مخالفا لحقيقة الثورة في حد ذاتها ذلك أن المواطن التونسي اليوم ذهب إلى ظنه أنه الشخص الذي اطاح بالرئيس وبالتالي فقد اعتبر كل مواطن مهما كان موقعه أنه الشخص الذي يستحق التبجيل في المعاملة وفي رد الاعتبار حتى وإن كان متحصلا على كامل حقوقه في السابق، وقد ساهم الاعلام وبعض التيارات السياسية وبعض المفكرين ومن يسمون المبدعون في المجال الثقافي في تركيز مفهوم خاطئ للثورة في عقلية المواطن التونسي بدفاعهم عن مبادئ ليست موضوعية وذلك بشخصنة الثورة في أسماء وأحداث بعينها متغافلين عن حقيقة ما حدث لتونس لأكثر من عقد من الزمن لذا فان تصحيح مسار المفهوم الذي يجب أن يغرس في اذهان المواطنين أصبح ضرورة وواجب على أجهزة الدولة بأكملها وعلى مفكريها ومثقفيها فليس من المعقول أن ننسب الثورة لمحمد البوعزيزي أو ننسبها لمنطقة محددة في تونس تاركين البقية المتبقية والتي ترى في نفسها أنها التي كانت السبب في الاطاحة بالرئيس وليس بالنظام. هذا الامر فيه تشويه لتاريخ تونس الحديث وهذا فيه اساءة لكل التونسيين وللدولة التونسية لأن ما حصل لتونس لم يكن مرتبطا بشخص أو بجهة معينة ولا يمكن في أي حال من الأحوال وبغاية امتصاص غضب البعض أن نساير الخطأ الشائع لان المسايرة غير الموضوعية ستكرس مفهوم الشخصنة لثورة تونس وسنعود كما كنا وعلى الجميع أن يستسيغوا هذا الأمر قبلوا ذلك أم رفضوه فهذا ليس من حق الافراد بل هو من حق المجموعة والمجموعة تحميها ارادة سياسية من المفروض أن تكون صادقة في مسعاها في ازالة نظام كامل كان مسيطرا على كل النفوس ومتغلغلا في تفكير المواطنين حيث أن ما نراه اليوم في الشارع التونسي من فوضى وأنانية يعكس طبيعة التونسي الحقيقية وليس صحيحا كما يدعي البعض في تصريحاتهم أن التونسي متحضر بل التونسي اليوم وكما كان في الأمس انانيا يميل إلى الفوضى وإلى الهمجية ولا يرغب في أن تكون الأمور جلية حتى يتمكن من تصريف شؤونه بالطريقة التي يراها لنفسه وبالمقابل يريد تركيز دولة على مقاسه لتحرسه في حياته الفوضوية. إن المسؤولية ملقاة على الجميع ليكفوا عن نداءات الانانية والكل نصب نفسه محاضرا ينادي بالقيم وقد توقفت الاعمال وكثرت الاقوال والاعلام يساهم في تثبيت قيم وأفكار غير شرعية في اذهان عموم المواطنين ويجب أن يعلم الجميع أن من اسقط بن علي وحاشيته وليس النظام هو الرنين la resonance وهو تلاقي النداءات والاحتجاجات على مر السنين ومن كل فئات الشعب وعلى كامل تراب تونس هذا الرنين الذي قوي تردده على قصر قرطاج فعجل برحيل الرئيس بن علي وهذا ينفي مسألة أن فلان له الفضل على تونس أو أن تلك الجهة لها الفضل على تونس فلا فضل على تونس لأحد ومن أراد أن يكون له فضل على تونس اليوم فليذهب إلى عمله أو ليبحث عن عمل ولتكف الحكومة عن الوعود بالتشغيل ولتنطلق في تركيز مصانع ومشاريع حكومية لتشغيل العاطلين من كل الاصناف كما حصل في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ثم بعد استقرار الوضع تسلم تلك المشاريع إلى الخواص بشروط معقولة وهكذا تعود الثقة بين الإدارة والمواطن وعلى الأمن أن يعود بقوة في الشوارع الرئيسية لكل المدن وأن يعاقب كل مخالف في المرور لأن في ذلك ردع كبير لأصحاب النفوس المريضة وأن تسعى الدولة في المقابل إلى اعادة التوزيع الديمغرافي السليم للبلاد وأن تقاوم النزوح إلى المدن بسياسة النزوح المضاد بأن تسلم أراضي فلاحية بشروط ميسورة لاهالي المناطق ليعملوا في بلدانهم وقراهم حتى تستقر العائلات وينقص التشتت وتقل حركة السرقة والنهب لأن التمسك بمسقط الرأس فيه تقوية للوطنية التي نحن بحاجة إليها كما قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه(لو لا حب الاوطان ماعمر الخراب) وليتعفف المواطن بقيم الأخلاق الرفيعة وبالحياء فللعرب اخلاق لا تمت لما يحدث في تونس بصلة من كشف لأدق تفاصيل الحياة الشخصية بدعوى الحرية.