لم يسجل التاريخ الحديث أبشع من الجرائم الصهيونية إزاء أمتنا العربية عامة والشعب الفلسطيني بوجه خاص لكن ما يسمى بالقضاء الدولي لم يحرك ساكنا لمقاضاة عتاة المجرمين الصهاينة ..حتى إذا تباهى القضاء البلجيكي بأنه ميسّر لمقاضاة المجرمين أيا كانت جنسياتهم فانه أحجم عن مقاضاة الإرهابي ارييل شارون عام 2002 وقد عرضت على المحاكم البلجيكية ملفات جرائمه البشعة ضد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت لدى اجتياحها سنة 1982 ...الدّهقان اليهودي الديانة ،الألماني المولد ،الأمريكي الجنسية هنري (واسمه الحقيقي هاينز) كيسنجر لم يخضع هو أيضا لمساءلة ناهيك عن الملاحقة بسبب ما اقترفه العسكر الأمريكيون من جرائم بحق الشعب الفيتنامي وهو أي كيسنجر كان مهندس سياسة واشنطن في سبعينيات القرن الماضي حيث كانت حرب فيتنام تعيش آخر فصولها وأدماها ...وجورج بوش فرض على الهيئات القضائية والسياسية الدولية عدم ملاحقة جنوده بسبب ما اقترفوه من جرائم وما زالوا في العراق وفي أفغانستان ... هم عرق فوق العدالة وفوق المحاسبة. وظلت عيون العالم «الحر» مغمضة وألسنتهم معقولة عندما كان حكام تل أبيب يحاصرون الشهيد ياسر عرفات في مقر إقامته برام الله ( المقاطعة) بداية من يوم 29 مارس 2002 ويمنعونه من التحول إلى بيروت لحضور تلك القمة العربية العصماء التي بدأت قبل ذلك بيوم (28 مارس) والتي طرحت فيها مبادرة عبد الله آل سعود الذي كان وليا للعهد آنذاك والتي استجدت السلام مع الكيان العبري والاعتراف الكامل به والتطبيع الفوري معه..كان اعتقال عرفات صفعة ل«زعمائنا» الأشاوس الذين لم يتحرك لهم بنان ولا نطق لهم لسان دفاعا عن زميل لهم أهين وهم مجتمعون وهدد ثم اغتيل ببرود وأعلن عن وفاته في باريس في نوفمبر بعد ذلك بعامين . واحتُل العراق عام 2003 (في مارس أيضا) وارتكبت أمريكا جرائم حرب شاركت فيها نظم عربية باليد وباللسان وبالقلب لم يحاسبها عليها احد وأعدمت صدام حسين فجر يوم عيد الأضحى في الثلاثين من ديسمبر 2006 ولم تتحرك «العدالة الدولية» حتى والأمريكان أنفسهم يعترفون أن كل ما لفق لصدام ونظامه من تهم كان محض أراجيف وافتراءات لتبرير الاحتلال والاغتيال.. وفي مارس كذلك عام 2009 اصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس عربي آخر هو السوداني عمر حسن البشير (ومعه اثنان من معاونيه) .ويأتي الدور الآن على معمر القذافي ومعه نجله سيف الإسلام وعديله عبد الله السنوسي .. صحيح أن هذه «العدالة الدولية» طلبت أيضا الرئيس الليبيري تشارلز تايلورفي 2003 وفي شهر مارس (مرة اخرى) والرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش الذي توفي في سجنه بلاهاي في مارس ايضا 2006 ورئيس صربيا ميلان ميلوتينوفيتش إلا أن العرب كان لهم النصيب الأوفر من الملاحقات والاهانات.. أربعة من الحكام العرب ..اثنان قتلا (عرفات وصدام) واثنان ملاحقان (البشير والقذافي) ولا زعيم ولا ضابطا ولا حتى عسكريا واحدا من الكيان الصهيوني او من امريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها وقواتهم ترتع في كل مكان تقتل وتبيد وتعتدي على الحرمات وما من حسيب ولا رقيب بل حصانة منصوص عليها في القرارات والمواثيق. ومع ذلك لا يسعنا إلا ان نقول ..هؤلاء الحكام العرب من زين العابدين بن علي الى القذافي الى حسني مبارك الى غيرهم ألم يحكموا بمباركة هذه العواصم التي تسيّر الآن هذه «العدالة الدولية»؟ ألم يقتلوا أبناء شعبهم بسلاح زودتهم به هذه الدول وصمتت عن ذلك بل كثيرا ما باركت سياساتهم؟ أو ليست هذه العواصم هي نفسها التي تتحرك الآن لدعم نظم مازالت ترى في وجودها مصلحة لها وتتحرك أيضا لسرقة ما حصل من ثورات في تونس ومصر وليبيا وتطويق أخرى حتى تحكم الالتفاف عليها وتستعد للتحكم في مسارها ؟ لقد أجرم حكامنا هذا لا نقاش فيه سواء منهم الذين سقطوا أو المنتظرون لكن لا يملك حق المحاسبة والعقاب إلا الشعب الذي عانى القهر والاستبداد والفساد ....ومن العار على كل عربي ان يرى ابن جلدته مهما أثار من كراهية بين يد عدو يشمت به فهو في النهاية عدو لنا كلنا مهما وزع من ابتسامات ودولارات وقنابل وطائرات .. والمطارد ابننا نحن نلاحقه ونحن نعاقبه ..نثأر منه لكن لا نسلمه.. لاحسيب لأهلنا بعد الله سوانا .. ومن رأى غير ذلك فقد جانب النخوة والكرامة.