تونس الشروق : لم يكن صُدفة ان يكون الاصلاح الاداري من أولى لبنات الاصلاح في عهد التغيير، فقد كان ايمان المصلح «بن علي» بأن الادارة تبقى الحلقة الاهم في دائرة التنمية والتقدم... كان لابد لبناء مجتمع متقدّم من ادارة حديثة وعصرية ومتقدمة وكان لابد من اصلاح شامل يؤسس لادارة جديدة تتماشى مع وعي الشعب ودرجة تقدّم المجتمع. كانت الادارة التونسية قبل سنوات التغيير بحاجة الى ذلك الاصلاح وبحاجة الى ارادة مُصلح أدرك منذ البداية أنه لا يمكن بناء مجتمع متقدّم بادارة متخلفة تُعاني الكثير من الصعوبات والعلل وتنخرها قوانين ونواميس ومعاملات تجعل منها بمثابة العصا التي تمنع العجلة عن الدوران. كان البعض يجهل الحقيقة، حقيقة أن الادارة التونسية تعيش حينها وتعمل بقوانين تعود الى العهد الاستعماري بل أن قانون الادارة التونسية يضمّ الكثير من الأوامر العلية أي الاوامر التي صدرت حين كانت تونس «إيّالة» تتبع سلطة الباب العالي في اسطمبول... تحوّلت الادارة التونسية في سنوات ما قبل التغيير الى ادارة فيها الكثير من الروتين وتجسدت فيها مظاهر «البيروقراطية» وصار التعامل معها يحتاج الى الكثير من الجهد والى الكثير من الوقت حتى أن الرد على أحد الملفات يحتاج الى المرور بسلسلة من الحلقات المقلقة. كانت الادارة بدون روح، رُوح التقدّم والعصر فكان لابد من الاصلاح الشامل وكان لابد من ثورة تُغيّر وجه الادارة التونسية لتواكب حقبة التغيير المشرقة التي تعيشها تونس منذ نوفمر 1987 وتقطع مع القوانين البالية المكبلة للادارة... آمن «بن علي» بأنه لابد من تطوير الادارة كحلقة مهمة وأساسية في مسيرة التغيير الذي صار جهدا يوميا لبناء مجتمع متقدم ومتطوّر فكانت انطلاقة ما عرف حينها بتكوين فرق الاصلاح الاداري لتدرس واقع الادارة التونسية وتدرس التجارب وتؤسس لتاريخ جديد للادارة. كان لابد من اصلاح انظمة الوظيفة العمومية وتوحيدها في نظام عام تتفرّع عنه قوانين اساسية للاسلاك واصلاح شبكة الاجور وضبط مواعيد صرف الجرايات بدقة كبيرة وذلك بعد عقود طويلة ظل فيها الموظف يجهل موعد تسلم جرايته. موفق وكان لابد من خلق آلية تمكّن المواطن من التظلّم وحل اشكالياته مع الادارة فكان جهاز الموفق الاداري الذي يتولّى بمتابعة خاصة من رئيس الجمهورية التوسط بين المواطن والادارة في كل الاشكاليات التي تقع ويسعى الى حلّها. ولأن لا ادارة حديثة وعصرية بدون كفاءات بشرية فقد تمّ وضع برامج تكوين لكل الموظفين تتماشى مع روح الادارة الجديدة وتم تكوين لجان تعمل على تبسيط الاجراءات والمعاملات الادارية. وتحوّلت مكاتب العلاقات مع المواطن في كل الوزارات الى الحلقة الاهم في العلاقة بين المواطن والادارة حيث أصبح لعرائض المواطنين حظّها لتدرس وتُفحص وأصبح لزاما على كل ادارة الرد على تشكيات المواطن ومنحها البعد الذي تستحقه. ثورة ولم يكن خافيا على أحد أن الادارة تعيش وضعا غير طبيعي بوجود الاف الاعوان والعمال العرضيين الذين تم انتدابهم طيلة عقود بشكل عرضي وبصفة موقتة لكن تواجدهم تواصل عقودا طويلة دون أن تكون لهم حقوقهم في الترسيم والتغطية الاجتماعية فأولى المصلح «بن علي» لهذا الملف العناية التي يستحقها وحقق بذلك أمنية الاف الاعوان والعمال العرضيين وعائلاتهم في الاستقرار المهني والمادي، والتمتع بالتغطية الاجتماعية. وتم بمتابعة وحرص من «بن علي» ادماج آلاف العرضيين وتسوية أوضاعهم وحل ملف أثقل كاهل الادارة التونسية طيلة عُقود وتحوّل الى نُقطة سوداء في الادارة التونسية الى أن كان عهد التغيير والاصلاح... ستظل الادارة التونسية تذكر العهد الزاهر للمصلح «بن علي» الذي وضع بفكره الاصلاحي الفذ أسس الجمهورية الجديدة التي تقوم على القانون والمؤسسات وتقوم على ادارة حديثة وعصرية ومتقدّمة تواكب نسق التغيير. فضل سيظل آلاف الموظفين والعمّال الذين كانوا عرضيين يذكرون ذلك اليوم الذي تحقق فيه حلمهم على يد المصلح «بن علي» فلم تذهب سنوات العمر سُدى... اعترف المصلح «بن علي» بفضل آلاف الاعوان والعمال الذين كانوا لعقود طويلة يمنحون جهدهم وعرقهم للادارة التونسية واعترفوا هم بفضله عليهم وعلى الوطن واعترفوا بفضل اصلاحه ومسيرته التي لابد لها أن تتواصل.