عاد التسيب الى الإدارة التونسية كما انتشر الفساد و«الأكتاف» أكثر مما كان عليه في العهد البائد هذا ما أكده لنا المطلعون على وضع الإدارة التي أصبحت تعمل بنحو 20٪ من طاقتها بسبب التسيب الكبير الحاصل فيها. كما قبرت أو تعطلت كل مشاريع الاصلاح مباشرة بعد استقالة وزير الاصلاح الاداري السابق محمد عبّو دون ان يعين له خليفه فاحتجبت الزيارات الفجئية التي أتت أكلها في الحد من غيابات الموظفين وقد أفادتنا مصادر مطلعة فضّلت عدم ذكر اسمها ان حال الإدارة اليوم أكثر سوءا مما كانت عليه قبل 14 جانفي.
أين الدراسات؟
مشاريع كثيرة قبرت وأخرى نفذت بطرق عشوائية وغير مدروسة على رأسها التوقيت الاداري الجديد الذي أنجزت في خصوصه دراسات كلفت المجموعة الوطنية آلاف الدنانير وخلصت الى دراسة تضم 300 صفحة فيها مرونة يمكن تطبيقها في الجهات. لكن تم القاء كل ذلك جانبا واقرار توقيت جديد مرتجل وبعيد عن الواقعية مما جعل النية تتجه حاليا الى تغيير التوقيت الاداري بنحو 10 ولايات داخلية تضررت منه بسبب غياب المرونة بين الجهات في اعتماد نفس التوقيت رغم ان ايقاع موظفي تونس الكبرى مختلف عن باقي الموظفين...
لم يعد تسيب الادارة التونسية خافيا على أحد فالمقاهي هي التي تعج يوميا بأفواج الموظفين تدل عليه ومكاتبهم الخالية من جلهم وتعطيلهم لمصالح المواطن كلها أدلة على تدهور وضع الادارة التي وصفها البعض بالكارثية خاصة وان 80٪ من طاقتها مهدورة.
تعطل المشاريع
تعطلت مشاريع الاصلاح الاداري مع استقالة الوزير فلم يتم تفعيل بوابة الشكاوى ودور الخدمات التي تم برمجتها لتقريب الخدمات من المواطن وكل البرامج التي تم اقرارها بعد استشارة وطنية موسعة أنفق من أجلها مال وجهد ووقت كثير. كما تعطلت مشاريع ترشيد استهلاك السيارات الادارية وحملة مراقبتها. والسؤال المطروح كيف تتوقف مثل هذه الاصلاحات لغياب او استقالة شخص.
كانوا يخافون
كل هذا يؤكده مسؤول من وزارة الحوكمة في تصريح لوسائل الاعلام اذ يقول ان الادارة«مازالت في عهد 7 نوفمبر والاداريون يسيرونها بالسرعة التي يريدون وهم يتحركون مثلما كانوا يفعلون زمن بن علي والفرق الوحيد انهم كانوا يخافون في زمنه واليوم يشتغلون مع الترويكا بلا خوف لأنها حكومة انتقالية». ويرى الملاحظون ان وضع الادارية لن يتحسن قبل الانتخابات القادمة وتكوين حكومة جديدة.
فساد مالي وأكتاف
لا تقف معضلة الادارة عند حد الغيابات عن العمل والاستهتار بمصلحة المواطن بل هذا المناخ فتح الباب للفساد عموما بما في ذلك الفساد المالي والا فكيف يمكن تفسير عملية السرقة التي تمت مؤخرا بالوكالة الفنية للنقل البري والتي بلغت قيمتها ما يناهز المليار من قبل موظف يعمل بها؟ علما وان «بطلها» موظف واحد لم تتجاوز مدة انتدابه سنتين؟ لو كانت الادارة مؤمّنة لما تم اختراقها بمثل هذه السهولة والغريب ان ادارته لم تتفطن بهذه السرقة بل تم التفطن اليها من أعوان القباضة والبنك!
والسؤال المطروح كم من ادارة أخرى مازالت تخفي أسرارها ولم تكتشف بعد الفساد الحاصل فيها؟
وللأمانة فقد نبّهت جمعية الشفافية المالية في أكثر من مناسبة الى ان الفساد زاد بعد الثورة ولابد من أخذ الاحتياطات والاصلاحات اللازمة للحد من انتشاره لكن لا مجيب. وقد تواصل الحال على ما هو عليه بل أسوأ من السابق. والا فكيف نفسّر تواصل التعيينات بالاكتاف وهو حال الموظف المتحيل بالوكالة الفنية للنقل البري وحال الانتدابات الحاصلة للمعلّمين وفق ما صرّح به أكثر من مسؤول في اتحاد المعطلين عن العمل...
عودة الانضباط الى الادارة التونسية ضرورة عاجلة لابد من تفصيلها قبل الوصول الى الانتخابات فهي مكسب بقي صامدا مباشرة بعد الثورة ولا يمكن التفريط فيه بعد سنتين من الثورة وهي الضمانة الوحيدة لانتخابات نزيهة وشفافة مستقبلا ومهما كان لون الحزب الحاكم.