أ) سأل أعرابيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في مجلس له : « متى السّاعة؟» فلم يجبه في البدء. ولمّا أشرف المجلس على الانفضاض قال عليه السّلام : «من سألني عن السّاعة ؟» قال : «أنا» فأجاب : إذا ضيّعت الأمانة ؟ ومتى تضيع ؟ إذا سلّم الأمر لغير أهله. ب) « المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب « ابن خلدون . المتن : يلتئم بتونس يومي 16 و17 جوان 2011 ملتقى حول الاستثمار يحضره 1000 شخص تقريبا ويشارك في فعاليّاته ممثّلون عن بلدان عربيّة وأجنبيّة معروفة بقوّتها الماليّة وسطوتها الاقتصاديّة والسّياسيّة وسعيها إلى الهيمنة عبر هذا المسلك عندما فقدت المسالك الأخرى بعد انجاز الشعب التّونسي لثورته المجيدة، ثورة 14 جانفي: ثورة الحرّية والكرامة بعد الإطاحة برأس النّظام البائد. وقد ارتأى السّيد إسكندر الرّقيق رئيس المكتب السّياسي لحزب التّحالف الوطني للسّلم والنّماء بهذه المناسبة أن ينشر مقالا اختار له عنوانا جذّابا ومثيرا في آن : على أبواب منتدى تونس للإستثمار : حتّى تنتصر الفاعليّة على الشّعارات الجوفاء» صدر بجريدة «الشّروق» الغرّاء يوم الأربعاء 15 جوان 2011 على الصّفحة الثّالثة عشرة ( 13 ) فأوحى إلينا بجملة من الملاحظات إنارة للرّأي العامّ المحلّي «حتّى يتبيّن له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» ويميّز الغث من السّمين والطيّب من الخبيث ولئن كان مفهوم «الفاعليّة» معروفا في رؤية صاحب المقال باعتباره من أهل الذّكر في الاستثمار، فإنّه على خلاف هذا المصراع الأوّل من العنوان جعلنا نتشوّق ونتوق إلى معرفة ما أسماه «الشّعارات الجوفاء» فلم نظفر بشيء لكنّنا نعلم الدّاعي إلى استعمال مثل هذه العبارات جيّدا مثلما سيأتي في لاحق الورقة. وقد ألجأنا مضطرّين – إلى قراءة ما بين السّطور لفهم المقاصد الحقيقيّة لصاحب المقال انطلاقا من تحليل الخطاب وآليّاته ولغته وحتّى نبرته مستنيرين بمكتسبات «علم الخطاب». ولنبدأ من البداية حتّى تكون الأمور واضحة للعيان دون تعتيم. أوّل الظّواهر اللاّفتة في تونس على الصّعيد السّياسي هي كثرة الأحزاب التّي حصلت على التّأشيرة القانونيّة بعد الثّورة، فهل هي علامة صحيّة أم إنّ العكس هو الصّحيح. نرجّح الاحتمال الثّاني حسب رصدنا للمشهد السّياسي منذ 14/01 وإلى الآن لما لاحظناه من طغيان السّلبيّات. إنّ صدور مقال إسكندر الرّقيق، وهو رئيس حزب «جديد» يرتبط فضلا عن الاستسهال في منح التّأشيرات رغم التّشابه البيّن بين الكثير من الأحزاب في التّوجّهات وحتّى في المسمّيات «نماء» «تنمية» «عدالة» «تحالف» «وطني».. إلخ.. بدور أغلب وسائل إعلامنا المكتوبة خاصّة والتّي ما تزال تعيش فيما نظنّ على رتابة الموسيقى القديمة من قبيل العناوين المغرية المفزعة «هذا في صعود» / «هذا في هبوط» وكأنّنا في البورصة السّياسيّة بطبيعة الحال ! ثمّ هل هو من باب الصّدفة أن يتمّ التركيز على بعض الوجوه قديمها والجديد («مورو» «الرقيق».. إلخ على سبيل الذّكر لا الحصر) والنّفخ في صورهم على حساب غيرهم ممّن قد يكون أكثر كفاءة منهم من حيث الحرفيّة السّياسية الصّرفة وبصرف النّظر عن التّوجهات والمقاصد والمرامي والأهداف بعيدها وقريبها. وها نحن قد عدنا بحمد الله إلى المربّع الأوّل «تشاركيّة» «تهمة» «صعود» «نزول».. إلخ. أمّا إسكندر الرقيق ( ولست أدري لما عرّف اسمه بالألف واللاّم في المقال)، فلعلّ حميّة الشّباب واندفاعه هما اللّذان حديا به ( دفعاه ) إلى الكتابة بحماسة عن «الشّعارات الجوفاء» في مقابل للفاعليّة، دون أن يقدّم لنا واحدا منها حتّى على سبيل النّمذجة والتّمثيل، ممّا يفتح الباب عريضا أمام شتّى التّأويلات، فهل يكون من بينها «حقّ العمل» و«الحقّ النّقابي» و«الحقّ في العيش» و«حرّية الاتّصال عبر الأنترنيت والشّبكات الاجتماعيّة» و«حقّ الاحتجاج والتّظاهر السّلمي»؟ فإن كان ما ذهبنا إليه صحيحا فهو يتناقض مع « السّلم والنّماء»، فضلا عن أنّ الكلمات الفضفاضة من قبيل اتّهام الغير (الذّي لم يكشف النّقاب عنه) بالشّعارات الجوفاء يتناقض مع ما تربّى عليه إسكندر الرّقيق في ربوع الولايات المتّحدة الأمريكيّة من فكر «ليبراليّ» مدعوم بالحجّة والبرهان والأدلّة الدّامغة من وجهة نظره طبعا، فكر اشتهر بنزعته النّفعيّة «البراغماتيكيّة» في معناها المستهجن عندنا إلى حدّ بلوغه الدّيماغوجيا Démagogie برفع شعارات جميلة تبشّرنا معشر التّونسيّين والعرب والمسلمين بالجنّة الموعودة المفقودة في الاقتصاد خاصّة، ويكفي لتحقّق ذلك أن نفتح أبوابنا للإستثمارات الأجنبيّة كيفما اتّفق ونقبل القروض و« الهبات» ! لكنّنا لسنا أغبياء إلى درجة تجعلنا نصدّق أمريكا والغرب ومن يعمل على نشر فكرهم «الخلاّق» في ربوعنا، فكر الحلول السّحريّة، فالاستعمار استعمار مهما تكن ألوانه وما يتقمّصه من أدوار لا تختلف كبير اختلاف عن دور الذّئب الشّرس وهو يتربّص بكل حمل وديع مازال في خطواته الأولى؟ ولن يخدعنا بحال التّهليل من قبلهم للرّبيع العربيّ، فهم مغلوبون على أمرهم ولا حيلة لهم سوى محاولة الرّجوع إلى بلادنا العربيّة الثّائرة حتّى من النّوافذ عندما سدّت في وجوههم الأبواب وفضحت مخطّطاتهم ومؤامراتهم! ولكلّ صوت صداه، فها هو ذا السيّد إسكندر الرّقيق يقيم الدّعاية للمخطّطات الاستعماريّة المشبوهة بشكل صريح وبالخطّ الغليظ منذ البدء، فلا شيء له يخفيه عنّا في هذا المضمار. لا تفسر للتّصعيد ( بالمعنى السّياسي ) الذّي استشفناه في خطاب رئيس المكتب السيّاسي لحزب التّحالف الوطني للسّلم والنّماء إلاّ حمّى الانتخابات وقلّة الخبرة ورحم اللّه شاعرا تونسيّا قال في سبعينات القرن الماضي في قصيدة مغنّاة : « لو كان ما يحبّونا فرانسيس وأمريكان ما يزورونا»! ومن بديهيّات الأشياء وأبجديّات السّياسية أنّ الاستعمار يحسن بل ويحذق التّكيّف مع المستجدّات فيغيّر جلده، لا أدلّ على ذلك من العولمة، هذه الرّأسماليّة المتوحّشة، لكنّه يظلّ بغيضا في كل الأحوال وفي جميع مراحله من رأسماليّة تقليديّة رافقها استعمار قديم بحثا عن الأسواق إلى إمبرياليّة (استعمار جديد) إلى عولمة لا تعدوأن تكون امتدادا لها بطرائق وأشكال جديدة قديمة، قديمة جديدة ويبقى الاستعمار كريها منبوذا من الشّعوب التّائقة إلى الحرّية والكرامة حتّى إن جنّد لخدمة مصالحه و« تمرير « أجنداته أناسا أذكياء : حلفاء وممثّلين ومنفّذين لمشاريعه بالوكالة، وصدق الحدّاد (ت 1935 م) حين أصدع بقوله : «يا أيّها الشّعب قم للمجد مقتحما حرب الحياة، فلا عز بلا نصب ! قالوا جئنا كي نمدّنكم بذا التزمنا وأثبتناه في الكتب !» وأمثال هؤلاء من المستعمرين ومن عاضدهم واستقوى بهم على إخوانه وأبناء شعبه لا خير يرجى منهم حتّى نلجأ إليهم في الارتقاء ببلداننا، فكفانا اللّه شرّهم وقطع دابرهم وحمى بلادنا وثورتنا من «مشاريعهم » و«أجنداتهم» وأغنانا عن هباتهم ومساعداتهم المشبوهة ! وأقصى ما نطلبه منهم أن يدعونا وشأننا نسيّره مثلما يحبّ شعبنا، وليعيدوا إليه أمواله المنهوبة من أعوانهم السّابقين الذين تمّت الإطاحة بهم، وإن أرادوا «إحسانا» فليتخلّوا لأبناء أمّتنا عن المديونيّة التّي كبّلوا بها شعوبنا وهم يعلمون أنّها لم تخصّص للسّلم والنّماء والرّخاء وإنّما لمصالح أصدقائهم القدامى. ولا أجد خيرا من شعر منوّر صمادح، شاعر تونس الخضراء رحمه الله أختم به هذا المقال : شيئان في بلدي قد خيّبا أملي الصّدق في القول والإخلاص في العمل وما أشبه اليوم بالبارحة ! فوا أسفاه على من ظلّوا الطّريق «وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا». هامش لغوي : تصويب : لا نقول في العربيّة «وتحيّز الفرص» بل «وتحيّن الفرص» أو«انتهاز» أو« اقتناص» الفرص. «منتدى تونس للإستثمار» موعد ننتظره يومي16 و17 جوان 2011 حتّى نضع حجر الأساس لأجندة الإنقاذ الاقتصادي وحتّى نحقّق لأبناء شعبنا الذّي ثار على الظّلم والطّغيان بعضا من تطلّعه المشروع إلى فرص العمل والحياة الكريمة. موعد ينتظره الوطنيّون الصّادقون بكثير من الأمل، فيما يترصّد البعض الآخر بشيء من التربّص وتحيّز الفرص لتصفية الحسابات» هذا التّشديد منّي.