(رئيس المكتب السياسي لحزب التحالف الوطني للسلم والنماء) «منتدى تونس للاستثمار» موعد ننتظره يومي 16 و 17 جوان 2011 حتى نضع حجر الأساس لأجندة الإنقاذ الاقتصادي و حتى نحقق لأبناء شعبنا الذي ثار على الظلم والطغيان بعضا من تطلعه المشروع إلى فرص العمل والحياة الكريمة. موعد ينتظره الوطنيون الصادقون بكثير من الأمل، فيما يترصد البعض الأخر بشيء من التربص وتحيز الفرص لتصفية الحسابات. ينعقد هذا المنتدى في ظرف توصلت فيه بلادنا إلى حشد تأييد كبير من قبل الأسرة الدولية والفاعلين الاقتصاديين في العالم (مجموعة الثماني الكبار) نتيجة ما أحدثته ثورتنا المدنية السليمة من تحولات تاريخية في عموم المنطقة العربية ونتيجة ما تميز به شعبنا من تحضر و تسامح ووعي. كيف يستطيع هذا الإشعاع الدولي لثورة 14 جانفي المجيدة أن يحقق الجدوى الاقتصادية المنتظرة دون توفير أرضية جالبة للاستثمارات، ودون تأمين مناخ استقرار اجتماعي ملائم يعزز ثقة رجال الأعمال بالمستقبل ... فالمستقبل لا يبنى بالشعارات الجوفاء. لقد أفصح اجتماع بلادنا بالثمانية الكبار عن فرص حقيقية لدعم كبير من قبل المجموعة الأوروبية والخليجية والأمريكية، ولكن هذه الفرص لن تصبح ذات جدوى الا متى عاين شركاؤنا الاقتصاديون مدى قابلية بلادنا لإنجاح أجندة الإنقاذ وتجاوز حالة الركود التي فاقمتها الاعتصامات والاحتجاجات المشطة. وعليه فإن منتدى تونس للاستثمار بما يحمله من فرص استثمار وتشغيل ومشاريع كبرى تنعش مسار التنمية في الجهات لن يكون بالفاعلية المطلوبة الا اذا توفر قسط كبير من التوافق الوطني والسلم الاجتماعي، وقدر كبير من الجدية في استكمال مهام الانتقال الديمقراطي. وإذا كنا قد نجحنا الآن في تجاوز إشكالات الموعد الانتخابي، وتوصلنا إلى تحديد تاريخ مناسب يضمن استحقاقا ديمقراطيا وشفافا، فإننا قادرون أيضا على توحيد صفوفنا من اجل دعم النسيج الاستثماري الذي بدونه لن نتجاوز حالة الركود. لابد إذن ان نضع حدا للمزايدات، وأوراق الضغط التي يلوح بها هذا الطرف أو ذاك، وان نغلب المصالحة الوطنية ولا ننساق الى الحلول العدمية التي تعكس رؤية سياسية ضيقة محكومة بالمصالح الخاصة. إن تونس الثورة أمانة تاريخية يتحملها الجميع ومسؤولية كبيرة، ويجب ان لا ننسى أن هذه الثورة قامت من اجل العدالة والمساواة والتشغيل و التنمية الجهوية، وان هذه الأهداف لن تتحقق دون مشاريع منتجة واستثمارات كبرى في القطاع الصناعي والفلاحي ومردودية أعلى لقطاع الخدمات ومشاريع سياحية ضخمة مدروسة . هذه الأهداف لن تتحقق دون سند اقتصادي دولي وتعاون ناجع مع دوائر الانتماء والشراكة مغاربيا وعربيا وافريقيا ودوليا. ان الحفاظ على الحرية أصعب من الحصول عليها، وعلينا ان نقطع مع كل منفذ للفوضى والتخريب والإعتصامات اللامشروعة حتى نكون في مستوى ما تحملناه من مسؤولية تاريخية إزاء شعبنا المتطلع الى التقدم والرقي. وحتى لا تكون الاعتصامات والاحتجاجات المبالغ فيها نقمة على مسار رقينا المنشود، لا بد أن تتوقف بعض الأحزاب و التيارات عن لهجة التصعيد والوعيد وان تملك من العقلانية والوعي ما يجعلها تربا عن الأساليب الفوضوية التي لم تخلف الا مزيدا من الاحتقان واللااستقرار. علينا أن نثبت خلال منتدى تونس للاستثمار إننا في مستوى الحدث، وعلينا أن نقنع محيط شراكاتنا الاقتصادية إننا قادرون على تأمين أرضية سانحة للاستثمار وبعث المشاريع . هذه هي المهمة التي لا تقل أهمية عن مهامنا السياسية الديمقراطية، فالثورات الناجحة لا تتحقق في الواقع الا متى استبعدت شبح الفقر والخصاصة وكرست بعدا تضامنيا إنسانيا، واستبعدت كل اثر للعنف والاستفراد بالرأي. ليكن موعد 16 و17 جوان الجاري محطة إقلاع إلى الأرقى والأفضل، ليكن فرصة لتفعيل آليات النماء و الرخاء، لنبتعد عن منطق المزايدة والشعارات الجوفاء، فالفاعلية والنجاعة هما ما نطلبه في المرحلة الراهنة حتى يكون المستقبل في حجم ما أرادته ثورتنا، وحتى تكون حياة التونسيين في حجم ما قدمه شهداؤنا البررة من دماء غالية.