لا حديث هذه الأيام في الساحة السياسية، إلا عن الوفاق الوطني من عدمه، على خلفية ما وقع في «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي». ذلك أن الاختلافات التي سادت أعمال الهيئة، وانسحاب بعض التيارات والأحزاب السياسية المؤثرة، جعلت هذه «الهيئة التوافقية» تشارف على التصدّع.. والحقيقة، تعدّ مبادرة لمّ الشّمل الوفاقية التي أعلن عنها الأستاذ مختار اليحياوي، أساسا للحدّ الأدنى الذي يمكن أن تعود وفقه أنشطة الهيئة. إذ لا مناص الآن، والشعب التونسي ينتظر الانتخابات، من التوافق بين النخب وبين الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية المختلفة. فهذه الهيئة العليا، فضاء للحوار لم يكن ليتمكن منه التونسيون لولا ثورة 14 جانفي المجيدة. وهي هيئة، كما يعلم الجميع لا يمكن أن تتحوّل إلى هيئة تشريعية، بحكم مرجعيتها في التأسيس، إذ أن أعضاءها كافة، عُيّنوا ولم ينتخبوا. من جهة أخرى، فإن الأطراف السياسية المنسحبة، لا بدّ وأن تكون في مستوى قراراتها التي اتخذتها على خلفية، التوافق، والوصول إلى محطة الانتخابات بأقل الخسائر. حين قبلت هذه الأطراف الدخول إلى الهيئة. اليوم، وقد انطلقت حملة التسجيل لممارسة من له الحق القانوني، لحقّه المقدّس، ولأول مرة في تونس ستتم العملية وفق معايير شفّافة، فإن أي خطوة إلى الوراء، يمكن أن تدخل في باب الانتكاسة لا قدّر اللّه. اليوم تنطلق جولة ثانية من عملية التجالس بين كل الأطراف السياسية المنخرطة في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، وفق مبادرة الأستاذ اليحياوي. وما يمكن تقديمه، هنا، هو أن الجميع مجبر على تحمّل المسؤولية. لأن لا تراجع الآن، عن موعد 23 أكتوبر 2011. كموعد لانتخاب المجلس التأسيسي. إذ أن المجلس التأسيسي وحده، من يستطيع أن يشرّع باسم الشعب. المسؤولية كبيرة، تلك التي تُلقى على عاتق الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وعلى الجميع أن يفهم جملة من الحقائق، دونها لا يمكن الارتقاء بتونس إلى محطات تحقّق فيها أهداف الثورة. كلّ الأحزاب والشخصيات الوطنية، والمنظمات، عليها أن تفهم أن ثورة الرابع عشر من جانفي، جاءت لتقطع مع الاستبداد، وأن تونس ما بعد الثورة، ستكون تونس التعددية، والاختلاف في الرأي والمشاركة في السلطة، والتداول على هذه السلطة.. لذا فالوفاق داخل الهيئة، هو ضرورة وليس مرضاة لأحد..