أثار مشروع المرسوم المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة جدلا كبيرا نتيجة تعارضه مع جل العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالأخص الحق في التقاضي وفي العمل وفي المساواة على الرغم من أن الفصل الأول من المشروع نص على أن المحاماة تشارك في إقامة العدل وتدافع عن الحريات والحقوق الإنسانية . فلقد تضمنت الفقرة الأولى من الفصل الثاني ما من شأنه أن يسبب صعوبات لعديد الأطراف جراء الصياغة الرديئة والتأويلات المتضاربة وهذا بالإمكان تفاديه من خلال إضافة الجملة التالية «كل ذلك مع مراعاة التشريع الجاري به العمل» عوض «كل ذلك وفق ما تقتضيه الأحكام التشريعية المتعلقة بالاجراءات المدنية والتجارية والجبائية والجزائية» باعتبار أن مهام المستشار الجبائي لم تضبط صلب الأحكام الإجرائية وإنما صلب القانون عدد 34 لسنة 1960. أيضا عبارة «دون سواه » لا نجد لها مثيلا بالتشاريع الاجنبية وهي لا معنى لها خاصة ان الفصل 84 من المشروع جرم من يقوم بمهام المحامي على وجه غير قانوني. الغريب في الأمر أن ينص نفس الفصل على بطلان الأعمال التي يقوم بها المستشار الجبائي بطلانا مطلقا وهذا فيه أيضا كذب سافر ومنافسة غير شريفة ومغالطة للمستهلك. أما الفقرة الثالثة فقد خولت للمحامي تحرير العقود و الاتفاقات الناقلة للملكية العقارية شأنه في ذلك شأن عدل الإشهاد ولكن دون قيامه بالواجبات المحمولة على عدل الإشهاد وفي ذلك خرق صارخ لمبدإ المساواة المصنف ضمن الحقوق الانسانية المشار اليها بالفصل الاول من المشروع. نفس الفصل خول للمحامي القيام بمهام الوكيل الرياضي ووكيل الفنانين. هذه المهام تدخل ضمن مهام وكيل الأعمال الذي يعد تاجرا وهذا يتناقض مع أحكام الفصل 23 من المشروع الذي حجر على المحامي القيام بنشاط تجاري. فإدارة الجباية ستجد نفسها في حيرة من امرها بخصوص تصنيف المحامي الذي يجمع بين أنشطة تجارية و أخرى غير تجارية. أما الفصل 19 من المشروع، فقد حجر على المحامي المحال على عدم المباشرة تعاطي مهنة المحاماة ولكن دون أن يخصه بالعقوبات المشار إليها بالفصل 84 من نفس المشروع وهذا يدعو إلى الاستغراب والحيرة. أيضا، لم ينص الفصل 24 من المشروع على العقوبة، من غير العقوبات التاديبية، التي يجب تسليطها على المحامي العضو بمجلس النواب الذي يرافع ضد الدولة أو الجماعات العمومية الجهوية أو المحلية أو المؤسسات العمومية علما بأن نفس الشيء ينطبق على المحامي العضو بمجلس بلدي أو قروي بالنسبة إلى القضايا المتعلقة بالمجلس الذي ينتسب إليه أو بالمؤسسات الراجعة له بالنظر. كما أن الفصل 25 من المشروع، لم يخص بأي عقوبة، من غير العقوبات التأديبية، المحامي من قدماء موظفي الدولة الذين يقومون بأي عمل ضد مصالح الإدارة العمومية و ذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انفصالهم عن مباشرة الوظيفة. أما الفصل 30 من نفس المشروع الذي يلزم المحامي الذي يريد القيام ضد زميله أو اتخاذ إجراءات قانونية ضده أن يسترخص في ذلك من رئيس الفرع الجهوي الذي يرجع إليه المحامي المقام عليه بالنظر والإخلال بهذا الإجراء موجب للمؤاخذة التأديبية وفي هذا اعتداء صارخ على حق التقاضي. هذا و نص نفس الفصل على إجراءات أخرى مكلفة جدا يتمكن من خلالها المتقاضي بعد عناء كبير من الاستعانة بمحام قصد مقاضاة محام آخر. نص الفصل 38 من المشروع على تحديد أتعاب المحامي بصفة مسبقة حسب طبيعة الخدمة ومدتها وأهميتها وخبرة المحامي وأقدميته والجهد الذي بذله دون منح المستهلك ضمانات بخصوص الخبرة والأقدمية. كما نص على إمكانية الإتفاق على نسبة من قيمة ما سيتم تحقيقه من النتائج على أن لا تفوق تلك النسبة 20 % وفي هذا غبن لحقوق مستهلكي الخدمات القانونية. ويتضح ذلك إذا أدركنا أن نفس المجهود يبذله المحامي في قضيتين لا تختلفان إلا في ما يتعلق بمبلغ النزاع لتختلف بذلك أجرته من قضية إلى أخرى وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل مجلس عمادات المحامين بأوروبا يحجر من خلال ميثاق أخلاق المهنة، اعتماد هذه الطريقة (Pacte de quota litis) لتحديد أتعاب المحامي لما فيها من غبن للأطراف الفقيرة والضعيفة وغير الواعية بحقوقها. أما الفصل 39 من المشروع، فقد فرض على المستهلك في حال نشوب خلاف حول أتعاب المحامي، اللجوء إلى رئيس الفرع الجهوي والحال أنه كان من المفروض اللجوء إلى جهة محايدة كالمحاكم وفي هذا اعتداء صارخ على حقوق الدفاع والمستهلك. بقلم: الأسعد الذوادي (رئيس الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين)