من تابع حديث إياد علاوي أمام الكنغرس الأمريكي، ومن تابع كلامه وكلام بوش أثناء الندوة الصحفية التي عقداها في واشنطن يخرج بسؤال كبير مؤداه : هل نحن نعيش على ظهر كوكب آخر غير كوكب الأرض حتى تنقطع عنا أخبار العراق الصحيحة أم أن العراق الذي تحدث عنه بوش وعلاوي يقع على كوكب آخر؟ وهذا السؤال يلد مباشرة سؤالا آخر : هل فشل الاعلام بكل وسائله السمعية والبصرية والمكتوبة وبكل كتابه ومحلليه وصائدي الأخبار فيه في تغطية أخبار العراق وفي نقل صورة حقيقية للناس أم أن الرئيس بوش تحدث عن عراق «متصوّر» لا يوجد الا في خيالهما الخصب والمعبّر عن حاجة كل منهما لصورة ناصعة عن عراق مستقر تصلح للرئيس بوش مطية يركبها في طريقه الى ولاية ثانية وتصلح للعلاوي مطية يركبها هو الآخر في طريقه الى رئاسة العراق.. وبالنتيجة فإن بوش يحتاج علاوي حاجة هذا الأخير اليه.. ذلك أن بوش الذي أدار ظهره للشرعية الدولية وغزا العراق واحتله كان يمني النفس بمولد «عراق جديد» قابل للتسويق في حملته الانتخابية يجعل الشعب الأمريكي ينسى كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي لم يعثر لها على أثر وينسى ورطة الجيش الأمريكي في مستنقع عالعراق وما يسببه من خسائر مادية وبشرية فظيعة.. وينسى أيضا فضيحة التعذيب في «أبو غريب» والفظاعات التي ترتكبها آلة الحرب الأمريكية في حق الشعب العراقي.. وكلها عوامل تجرّد بوش من أي غطاء قانوني أو أخلاقي ومن أي مكسب سياسي يمكن أن يتدثر به في طريقه الى البيت الابيض من جديد وفي سعيه لتمرير استراتيجية «إعادة التشكيل» وفرض الاصلاح في الشرق الأوسط الكبير... من هنا فإن بوش الذي تعرى بالكامل في العراق وبات يتلقى ضربات موجعة من منافسه كيري ومن الشعب الأمريكي الذي بدأ يتمرد على هذه الحرب الظالمة وجد أن دعم تابعه «علاوي» نزل عليه هدية من السماء تصلح لأن تكون خشبة نجاة يركبها ولو مؤقتا لمغالبة أمواج المعارضة الأمريكية شعبيا واعلاميا وسياسيا... لذلك نزلت عليه عبارات علاوي بردا وسلاما وهو يتحدث عن عراق غير موجود الا في خيال علاوي وفي سجل أمنيات بوش. أما علاوي الذي يحتاج شريكه في الحرب وفي غنائم الحرب جورج بوش الابن فقد كان يحتاج دعم هذا الاخير ليبيع نفسه وهم انه «الرجل القوي» و»رجل المرحلة القادمة في العراق» ليتولى القيادة رئيسا للدولة اثر انتخابات تنظمها وتشرف عليها فعليا قوات الاحتلال، بعد ان قاد العراق رئيسا للحكومة معينا من قوات الاحتلال.. لذلك بادل بوش السخاء بسخاء أكبر لأن كل الخراج السياسي والاقتصادي والاستراتيجي يعود له ولأمريكا في الأخير... ولذلك كال المديح لضيفه العلاوي وأطنب في الحديث عن عراق لا يوجد لا في الاحلام ولا في الافلام... عراق مستقر والدم يسيل فيه أنهارا... وعراق تزدهر فيه الشركات والحال أن التجارة الوحيدة المزدهرة هي تجارة الموت والخراب... وعراق تفتح فيه المدارس وتوزع فيه ملايين الكتب والحال أن أطفال العراق من الفلوجة الى سامراء وبعقوبة الى النجف وبغداد وباقي مدن الجنوب لا يتلقون مجانا الا صواريخ الأمريكان وقذائف مدرعاتهم... لقد كانت تلك الندوة الصحفية بحق مسرحية.. ولكنها مسرحية هابطة وحبكتها رديئة.. فلا نحن في كوكب آخر ولا العراق خارج الكرة الارضية ليجد بوش وضيفه العلاوي من يصدّق تلك الصورة المغلوطة التي قدّموها عن عراق لا يوجد تأكيدا الا في مخيّلة كل منهما وفي سجل حساباته وانتظاراته السياسية الأول الى عرش البيت الابيض والثاني الى عرش العراق... وبعد نشوة التوظيف وبعد بيع الوهم سيكون الطرفان أمام امتحان الحقيقة باتساع مدى المقاومة العراقية وتجذّرها لتحرم بوش من اختطاف العراق وتجيير غزوه واحتلاله لحساب حملته الانتخابية.. ولتحرم علاوي من الصعود الى عرش العراق على جماجم أبناء العراق.. وقد بدأت مؤشرات انهيار أحلام اليقظة لبوش وضيفه تظهر بتلميح رامسفيلد الى امكانية اجراء انتخابات محدودة في العراق وبإقراره باستحالة انهاء المقاومة العراقية وبأن الحل الوحيد يتمثل في الهروب.. وهما تلميح واقرار يكفيان أولا لتلخيص حقيقة الوضع في العراق ومدى «استقراره» ومدى «سيطرة تحكم قوات الاحتلال وأتباعهم» في زمام الأمور فيه... ويكفيان ثانيا لإسقاط تلك الصورة الوهم التي اجتهد بوش وعلاوي عبثا في ترويجها أثناء ندوتهما الصحفية.