سورة (الأعراف) هي السورة السابعة في العدد، وسادسة السبع الطول، والثالثة من حيث الطول بعد سورتي البقرة والنساء. وآياتها ست ومائتان. وهي سورة مكية بالإجماع، الاسم المشهور لهذه السورة اسم (الأعراف)، ﴿ونادى أصحاب الأعراف﴾ الأعراف:48، و(الأعراف) هو الحجاب الحاجز بين الجنة والنار، والمانع من وصول أهل النار إلى الجنّة. إن المتأمل في هذه السورة الكريمة، يجد أنها تطوف حول تقرير المقاصد التالية: أولاً: أنه سبحانه أنزل القرآن للإنذار به والتذكير؛ فهو كتاب للصدع بما فيه من الحق، ولمجابهة العقائد الفاسدة، والشرائع الباطلة، والتقاليد البالية، ولمعارضة نُظُمٍ ظالمة، وأوضاع جائرة، ومجتمعات سادرة. ثانياً: وجهت السورة القلوب والعقول إلى توحيد الله تعالى إيماناً، وعبادة، وتشريعاً، وبينت صفاته سبحانه وشؤون ربوبيته، وأمرت بعبادته وحده، وترك عبادة غيره. ثالثاً: قررت السورة أنه سبحانه خالق الأرض وخالق الناس، هو الذي مكن لهم في الأرض، وأودع فيها خصائص البقاء والحياة، التي تسمح بحياة الإنسان وتقوته وتعوله، بما فيها من أسباب الرزق والمعايش. رابعاً: توجيه الأبصار والبصائر إلى مكنونات هذا الكون وأسراره، وظواهره وأحواله، وبيان سنة الله التي جرت بها مشيئته بالمكذبين، وهي سنة واحدة، يأخذ الله بها المكذبين بالبأساء والضراء؛ لعل قلوبهم ترق وتلين وتتجه إلى الله، وتعرف حقيقة ألوهيته. خامساً: تقرير عقيدة البعث والإعادة في الآخرة، ووزن الأعمال يوم القيامة، وترتيب الجزاء على ثقل الموازين وخفتها، وسؤال الرسل في الآخرة عن التبليغ وأثره، وسؤال الأمم عن إجابة الرسل. وبيان كون الجزاء بالعمل، جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وإيراثهم الجنة وحالهم ومقالهم فيها، وإقامة أهل الجنة الحجة على أهل النار، وضرب الحجاب بين أهل الجنة وأهل النار، والتنبيه على مسألة قيام الساعة، وكونها تأتي بغتة. سادساً: بينت السورة أصول التشريع الكلية، وبعض قواعد الشرع العامة؛ فقررت بداية أن شارع الدين هو الله تعالى، وحرمت التقليد في الدين، والأخذ فيه بآراء البشر، وبالمقابل عظمت من شأن النظر العقلي والتفكر، لتحصيل العلم بما يجب الإيمان به، ومعرفة آيات الله وسننه في خلقه وفضله على عباده. سابعاً: الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، والأكل والشرب من الطيبات المستلذات، والإنكار على من حرم زينة الله، التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وبيان أنها حق للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وقيدها بعدم الاعتداء والإسراف فيها. ثامناً: بيان أن الإيمان بما دعا الله إليه، والتقوى في العمل بشرعه فعلاً وتركاً، سبب اجتماعي طبيعي لسعة بركات السماء والأرض وخيراتها على الأمة. تاسعاً: قررت السورة سُنَّة اجتماعية أخرى، حاصلها أن الأرض ليست رهن تصرف الملوك والدول بقدرتهم الذاتية فتدوم لهم، وإنما هي لله سبحانه، وله وحده - بمحض مشيئته وحكمته - سلبها من قوم، وجعلها إرثاً لقوم آخرين. ومدار هذه السُّنَّة على أن العاقبة في التنازع بين الأمم للمتقين، عاشراً: بيان أن سنة الله في الأمم التي ترث الأرض من بعد أهلها الأصلاء، هي سُنَّته تعالى في أهلها، حادي عشر: بيان أصول الفضائل الأدبية والتشريعية الجامعة بأوجز عبارة معجزة، والدعوة إلى السماحة واليسر، ثاني عشر: توجيه المؤمنين إلى أدب الاستماع لهذا القرآن؛ وأدب ذكر الله تعالى، مع التنبيه إلى مداومة هذا الذكر، وعدم الغفلة عنه.