مع تقدم الوقت، يتضح ان وثيقة قرطاج التي انطلق العمل بها في صائفة 2016 بدأت تتحول من حل إلى مشكل في رأي المتابعين ولم تتحقق الفائدة المرجوة منها. تونس الشروق: فاضل الطياشي في مطلع السنة الحالية، انطلقت اجتماعات الموقعين على وثيقة قرطاج برئيس الجمهورية بهدف البحث عن حلول للوضع الصعب الذي بلغته البلاد. ووقع التوافق بين الاطراف الحاضرة على مراجعة وثيقة قرطاج الاصلية وتعويضها بأخرى تضم أولويات جديدة وبرنامج عمل جديد للحكومة أفضل من الاول. في تلك الفترة كان الوضع الصعب الذي بلغته البلاد، بعد «أزمة» القائمة السوداء والمشاكل التي خلقها قانون المالية 2018 وأزمة الاضرابات وتعطيل إنتاج الفسفاط وانتشار الفساد، كان هذا الوضع يُحتّم التعجيل باتخاذ الحلول الملائمة في أسرع وقت ممكن...لكن اليوم مرت حوالي 5 أشهر دون ان تتوصل الأطراف المعنية الى نتيجة تذكر باستثناء تكوين لجنة فنية تضم خبراء ممثلين عن مختلف الأطراف لمراجعة وثيقة قرطاج 1 طالت اجتماعاتها هي الاخرى ولم تتوصل بدورها الى حلول عاجلة في انتظار اجتماعات هذا الأسبوع التي قد لا يحصل خلالها الحسم أيضا على غرار الاجتماعات السابقة. على وقع التغيير 5 أشهر عاشت خلالها البلاد على وقع «التغيير» المنتظر لوثيقة قرطاج الاولى لكن بالتوازي مع ذلك برز ايضا ملف إدخال تغيير على شكل وتركيبة الحكومة وهو المطلب الذي تمسك به اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف وبعض الاطراف الحزبية...وهو ما جعل أجواء من الغموض والخوف من المستقبل تُخيم طيلة 5 أشهر على التونسيين، من مواطنين عاديين وفاعلين اقتصاديين، فزادت حالة الارتباك والضعف الاقتصادي وأصبحت البلاد مهددة بالعودة الى مربع الفوضى والانفلات في المجال الأمني وغيره( العنف في الملاعب – تجاه وسائل النقل – في الشارع – خرق القانون – الفساد ..). وعلى الصعيد الاقتصادي نزل خلال هذه الفترة سعر صرف الدينار الى مستوى غير مسبوق في تاريخه وكذلك مخزون البلاد من العملة الصعبة فضلا عن بلوغ نسبة التضخم لاول مرة في تاريخ البلاد نسبة 7 فاصل 7 بالمائة ( ارتفاع مهول في الاسعار) واشتدت حالة الاحتقان الاجتماعي جراء ذلك وتواصل ضعف الاستثمار وارتفاع معدلات البطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية للفئات الهشة.. وعلى الصعيد السياسي، ورغم النجاح في تنظيم الانتخابات البلدية إلا ان هذا الاستحقاق الانتخابي شهد عزوفا غير مسبوق من الناخبين وكل ذلك بسبب شعور بالاحباط والخوف انتاب أغلب التونسيين تجاه الوضع العام. من حلّ إلى مشكل هذا الوضع دفع بالمحللين إلى القول إن وثيقة قرطاج تحولت من حلّ إلى مشكل. فقد كان الهدف منها في البداية جمع كل أغلب الفرقاء على حكومة وحدة وطنية تمثل أغلب الألوان السياسية وعلى برنامج عمل مُوحد تنفذه الحكومة وذلك في سبيل تحقيق الهدوء السياسي والتهدئة الاجتماعية ولتفادي الصدامات بين الحكومة واتحاد الشغل، وكل ذلك الى حين حلول موعد الانتخابات القادمة سنة 2019. لكن في الفترة الاخيرة تحولت وثيقة قرطاج والحكومة التي انبثقت عنها ومنظومة الوحدة الوطنية بشكل عام الى مصدر إرباك وتعطيل في البلاد خاصة بعد ان وقع التوافق على مراجعتها مطلع العام لكن مرت الآن 5 أشهر ولم يحصل ذلك.. فالحكومة أصبحت متهمة بالاخلال ببعض ما ورد في الوثيقة الاولى وبعدم الرغبة في تنفيذه، واتحاد الشغل يواجه منذ مدة تهمة «التغول» والرغبة في اسقاط الحكومة حماية لمصالحه وكذلك الشأن بالنسبة لبعض الاطراف الاخرى التي «تختبئ» وراء موقف الاتحاد. وهو ما يؤكد أن وثيقة قرطاج قد تحوّلت بسبب التقلبات الاخيرة ومواقف مختلف الاطراف من نعمة الى نقمة وذهب البعض حد الدعوة الى التخلي عنها تماما. ويبقى ذلك في انتظار ان تهتدي الاطراف الفاعلة الى حلول ناجعة وجذرية لهذه الازمة التي أصبحت تلقي بظلالها على الوضع العام في البلاد.