تونس الشروق: نداء تونس، حزب كبير يجمع العديد من الروافد السياسية، يتبنى المشروع الديمقراطي العصري ويطرح نفسه قطبا مدنيا، هذه الملامح العامة للحزب الناشىء في 2012 والذي استطاع تحقيق التوازن السياسي حينها خلافا للسنوات اللاحقة التي حملت تراجعا وانهيارا وتفككا. ومن خلال الاستحقاقين الانتخابيين المتعلقين بالتشريعية الجزئية في المانيا وبلديات 2018 ظهر للعيان هو ان الحزب كما يعدده المتابعون في ثلاثة مستويات بارزة تقريبا. واذ يقاس انسجام الحزب وتماسكه بتوازن مواقفه السياسية فإنّ الموقف السياسي لحزب نداء تونس بات يطرح أكثر من تساؤل ومشوب بالعديد من التناقضات، ففي الوقت الذي يشدد مكلف السياسات على ترشح المدير التنفيذي في التشريعية الجزئية بالمانيا مثلا تخرج قيادات اخرى لتنفي ذلك، وعندما تتوعد القيادة بفك الارتباط بحركة النهضة ثمة من في الحزب من يستبعد ذلك. كما كشفت مشاورات قرطاج الجارية في جزئها المتصل بالتغيير الحكومي تضارب في الموقف السياسي للحزب بين إقرار خالد شوكات بان الحكومة فاشلة وعليها ان ترحل وتشبث غالبية الكتلة البرلمانية بالتغيير الجزئي دون العبث وتأكيد الناطق الرسمي من ناحية ثانية أن النداء سيوافق على كل ما ستفرزه مشاورات قرطاج ولن يعترض عن ذلك ويجري حديث في الكواليس حول مساعي حافظ قائد السبسي لازاحة ابن حزبه رئيس الحكومة أو على الأقل الزامه بعدم الترشح في الاستحقاقات القادمة. من تمظهرات تراجع الحزب في مستوى ثان يبرز جليا مشكل تداخل المسؤوليات والادوار والتموقع في الحزب بداية من هيكلة الحزب الهجينة والتي تضع مسؤوليات يكتنفها غموض الصلاحيات على غرار خطة مدير تنفيذي او خطة مكلف السياسيات ويلاحظ المراقبون وجود صراع ثقة بين من يعتبرون انفسهم مؤسسين وبين اولئك «المنتدبين» من قبل المدير التنفيذي فضلا عن تداخل المسؤليات في الحزب من ذلك انه يعلن تكليفه كل المنجي الحرباوي وفؤاد بوسلامة بالاتصال قبل التبرؤ من الثاني على خلفية تصريحه المثير بشأن احقية سعاد عبد الرحيم بمنصب رئاسة بلدية تونس. ولا يقتصر التداخل في الادوار والمسؤولية على القيادة بل يمتد ايضا الى مستوى اغلب الهياكل الجهوية والمحلية وكل ذلك يبدو منطقيا طالما وان الحزب المشارك في الحكم لم ينظم مؤتمره الانتخابي بعد. ومن ناحية اخرى تكشف الخلافات الداخلية خسارة الحزب لجزء كبير من قواعده حيث ان احزاب مشروع تونس وبني وطني وتونس اولا وحزب المستقبل ساهمت بتشكلها في تكبيد النداء تراجعا منطقيا الى الوراء تجلى في خسارة جزء من المصوتين له في الاستحقاق الأخير. ولئن مكنت الانتخابات البلدية نداء تونس من حفظ ماء الوجه والمحافظة الى حد ما على التماسك فإنّ جل المراقبين توقعوا تصدره نتائجها لوكان موحدا بكل المشتقات الغاضبة والقيادات المستقيلة. وإذ تبرز تصريحات بين الفينة والأخرى حول توجه نداء تونس نحو استعادة الأحزاب القريبة منه والالتفاف الواسع حول المشروع العصري فان الاخبار الواردة من كواليس الأحزاب تؤكد ان هذه الخطوة بعيدة المنال خاصة وانه لم تهيء ارضيتها بعد ولايزال الاختلاف حول تقييم نتائج الانتخابات البلدية يشق جميعها. وامام هذا التراجع اللافت للحزب كان من المنطقي أن يفقد موقعه كمحدد رئيسي في المشهد السياسي وان يخطف قصر قرطاج منه المبادرة والاقتراح والقرار وان يعاد من جديد جدل اختلال التوازن السياسي في البلاد نتيجة تراجع النداء في ادارة اللعبة السياسية ومن هنا تتأكد الحاجة الماسة الى انجاز المؤتمر الانتخابي الموعود. إنّ اعادة حزب نداء تونس الى وضعه الطبيعي وتوضيح حجم مساهماته في الحياة الوطنية خلال السنوات الفارطة وتثمين كل ذلك بهدف حماية المسار التعددي والديمقراطي في البلاد، ناهيك وأنّ النداء هو الحزب الأغلبي الذي يضطلع بمهام الحكم والسلطة وصاحب القرارات والتوجهات الكبرى التي تهم البلاد خاصة وأنّ رئيسه المؤسّس كان هو مرشّحا للرئاسية وتمكّن من حيازة مقعد قصر قرطاج. فالنداء له مسؤولية كبيرة في انقاذ الوضع العام في البلاد ولا يكون هذا منطقيا ممكنا الا باعادة ترتيب أوضاعه الداخلية وتقوية هياكله حتى يصبح حزبا قويا قادرًا على قيادة البلاد والاضطلاع بما يستدعيه موقعه كحزب اغلبي.