ذكر ابن جبير من مناقب صلاح الدين وآثاره انه أزال كثيرا من المكوس والضرائب التي كانت مفروضة على الناس على كل ما يباع ويشترى مما دق او جل حتى كان يؤدى على شرب ماء النيل المكس فألغى صلاح الدين هذا كله . وقد كانت هناك ضريبة قدرها سبعة دنانير ونصف تفرض على كل حاج في طريقه الى الحجاز لتعمير مكة والمدينة ومساعدة الناس هناك وقد اشتط الفاطميون في جمع هذه الضرائب ولكن صلاح الدين الغى ذلك المكس واستعاض عنه معونة مالية تعادل قيمة ما يؤخذ من الحجاج تدفع كل عام لاهل الحجاز وبذلك اراح الحجاج من عنت الجباة ولا سيما ان نسبة كبيرة لا يستطيعون دفع ما يطلب منهم . وكانت شجاعة صلاح الدين مضرب الامثال وشهد بها الاعداء قبل الاصدقاء ولم يكن صلاح الدين كأؤلئك الملوك والقادة الذين يتربعون على عرش الزعامة وليس لهم عمل سوى ان يصدروا الاوامر الى اتباعهم ويقذفوهم الى ساحات الوغى فان اصابوا نصرا فالذكر لهم وان كانت الهزيمة والبلاء فهم في مراكز قيادتهم آمنون ولم يكن صلاح الدين من ذلك الصنف من الملوك والقادة وانما كان اذا اراد منازلة العدو تقدم الصفوف وخرج مع الجيش ليصحبه في ساحة القتال وشاركهم مخاطر الحرب وثبت معهم في احلك الظروف وأشد الازمات . ومن الامثلة على هذا الشجاعة الفائقة التي تحلى بها هذا البطل انه بعد ان استولى على حصن كوكب سنة 584 هجري سمح للعسكر بالانصراف للراحة وكان ذلك العسكر بقيادة اخيه الملك العادل فقرر صلاح الدين ان يودعهم حتى عسقلان ثم يتفقد البلاد الساحلية حتى عكا ولم يوافق مستشاروه على تلك الخطة لانه بعد ان يودع العسكر المصري في عسقلان سيبقى في عدد قليل من الجند فكيف يأمن على نفسه ان يتنقل من مدينة الى اخرى من مدن الساحل ليتفقدها وهو دون جيش يحميه لا سيما ان جموع الصليبيين كانت كبيرة في مدينة صور لذلك اشار مرافقو صلاح الدين ومنهم القاضي ابن شداد عليه الا يفعل ذلك واعتبروه مخاطرة عظيمة ولكنه أصر على رأيه ومضى في طريقه الى عكا بجانب الساحل بعد ان صرف العسكر المصري ومما يرويه القاضي ابن شداد انه كان مرافقا لصلاح الدين وحين رأى البحر جلس ينظر اليه ثم التفت اليه وقال : سأحكي لك شيئا في نفسي . انه متى يسر الله تعالى فتح بقية الساحل قسمت البلاد ووصيت وودعت وركبت هذا البحر الى جزائره واتبعت الصليبيين فيها حتى لا ابقي على وجه الارض من يكفر بالله او أموت . يتبع