تونس – الشروق – بالرغم من أن قياداتها يحرصون على إظهارها في صورة القوة الثانية في تونس، إلاّ أن حركة النهضة هي الحاكم الفعلي لتونس. وهي لاعب سياسي يفرض قواعد اللعبة ويخرج منتصرا من أغلب المعارك. قرار تعليق العمل بوثيقة قرطاج ,أفرز بشكل مباشر وحيني بقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد واستمرار عمل حكومته. وهو ما أفضى إلى استنتاج جوهري يدعم انتصار موقف حركة النهضة التي طالبت ببقاء الشاهد منذ بداية المفاوضات وهزيمة مدوّية لحزب حركة نداء تونس الذي طالب برحيل الحكومة ورئيسها ورفّع من منسوب طلبه في الفترة الأخيرة بتحميل الحكومة وزر كل الأزمات التي عاشتها تونس في الفترة الأخيرة. انتصار موقف حركة النهضة طرح تساؤلا مفصليّا يتعلّق بمن يحكم تونس فعليّا؟ ويمكن في هذا السياق التأكيد على أن حركة النهضة أحكمت قبضتها على كل تفاصيل الفعل السياسي وأصبحت اللاعب السياسي الأول، لاعتبارات عدّة أهمّها أن النهضة استفادت بشكل كبير من تجربة الحُكم في السنوات السابقة. وأصبحت تعمل وفق قاعدة التخطيط الاستراتيجي. ولا تتعاطى مع الواقع و الأحداث وفق منطق التكتيك المرحلي الذي ينتهي بانتهاء فعاليات الحدث. إضافة إلى ذلك تُحكم حركة النهضة قبضتها على تفاصيل العمل البرلماني فكتلة الحركة هي الأكبر عددا والأكثر تمثيلية في كل اللجان التشريعية والخاصة ولجان التحقيق ..وهي الكتلة الأكثر حضورا وانضباطا من حيث التصويت .. وبالتالي فهي اللاعب الأساسي والمركزي في كل تفاصيل الفعل البرلماني. فلا يمكن أن يمر أي نص تشريعي أو قرار دون موافقتها. وفي هذا السياق يكمن مشروع قانون المصالحة الذي رفضته في صيغته الأولى وأحرجت رئيس الجمهورية الذي قدمه. ودفعت الى تغييره ولم تصادق على مضمونه الا بعد حذف ما يقارب الثلثين من نصه إضافة إلى عديد القرارات وعلى رأسها قرار إنهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة فبعد أن امتنعت الكتلة عن التصويت لصالح إنهاء أشغال الهيئة، وبالرغم من أن البرلمان تبنى نهاية عملها إلاّ أنها فازت في النهاية بعد أن تقرّر التمديد للهيئة ستة أشهر إضافية. وزراء النهضة في الحكومة أما في ما يتعلق بعمل الحكومة فوزراء حركة النهضة هم أكثر أعضاء الحكومة رفاهية على كل المستويات ,خاصة في مستوى مساءلتهم وإحراجهم أمام البرلمان. فباستثناء بعض الأسئلة الشفاهية المتناثرة على فترات متباعدة لم يخضع وزراء الحركة إلى أي إشكال في البرلمان يمكن أن يُحرجهم حتى أن بعض التسريبات في الفترة الأخيرة تؤكّد أن أحد وزراء الحركة لا يتخاطب بشكل مباشر مع رئيس الحكومة ويتجنّب أي لقاء معه وبالرغم من ذلك لم تقع إقالته. رئاسة الجمهورية لم يبق من المؤسسات التي لم تبسط حركة النهضة عليها نفوذها سوى رئاسة الجمهورية. ويبدو أن الأمر قد حان في الفترة الأخيرة. فتصريح راشد الغنوشي الذي قال فيه «البلاد لا تحتمل تونس ستة أشهر اضافية في تقعيد العود.. ومن يرغب في إقالة رئيس الحكومة عليه التوجه الى البرلمان «يُفيد ضمنيّا بأن رئاسة الجمهورية لا يمكن أن تتخذ أي قرار بمعزل عن البرلمان الذي تسيطر حركة النهضة على سيره. وهذا يجعل رئاسة الجمهورية عاجزة عن أي فعل سياسي حقيقي دون مناصرة حركة النهضة لها. ولكن لا يجب أن يحجب كل ذلك العلاقة الطيبة التي تجمع رئيس الجمهورية برئيس حركة النهضة فهما على تواصل دائم وتشاور. تحكُّم النهضة بكل تفاصيل الحركة السياسية في تونس يخضع الى عوامل ذاتية وموضوعية. فالذاتي فيها يعود أساسا إلى بنية الحركة وانضباط مكوناتها، أما الموضوعي فيعود أساسا إلى ضعف خصومها وخاصة حزب حركة نداء تونس الذي انتصر في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 ثم تفتّت إلى عديد المكونات الأخرى وتدحرج من حيث الترتيب والفاعلية.