تميّزت ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي بنشاط ثقافي إبداعي متنوع ومتعدد الاتجاهات. وعرفت تلك الفترة ازدهارا فنيا لافتا من خلال تعدّد القاعات (الصالات) الحاضنة والمنظمة للسهرات الفنية الطربية لمطربين ومطربات في أوج العطاء الموسيقي. ومن هذه القاعات (الصالات) التي شدّت الانتباه على امتداد أربعينات القرن الماضي صالة رمسيس لصاحبها محمد خامس الجزيري ومقرها مدخل نهج سيدي محرز وهي عبارة عن مقهى شعبي. هذه الصالة شهدت أوجها في رمضان 1942بعد التعاقد مع المطرب الهادي الجويني المتقد حماسا والمجدد في الموسيقى التونسية. ويعتبر الهادي الجويني الشخصية الرائدة التي ساهمت في تطوير أغنيتنا التونسية بألحانه وأغانيه واشتهر بعزفه على آلة العود متأثرا بمدرسة محمد القصبجي. وفي غنائه كان متأثرا بمدرسة محمد عبد الوهاب القديمة، وقد أنتج الهادي الجويني برنامجا إذاعيا خاصا كان الفضل فيه للأديب عثمان الكعاك الذي أشرف على تسيير الاذاعة منذ يوم انطلاق البث الرسمي لها الى فترة الحرب العالمية الثانية من 1938 الى 1942. وكان عثمان الكعاك قد فرض على الموسيقيين والمطربين تقديم إنتاج جديد. برز الهادي الجويني في إنتاجه الغنائي بطابعه الخاص به وهو المتصل بالأغاني ذات الروح الاسبانية، فقد لحّن مجموعة من الأغاني في مقام النهاوند والكردي مستعملا في ذلك بعض الإيقاعات الاسبانية الحديثة. باي بابورين في صالة رمسيس كسبت صالة رمسيس الرهان بتعاقدها في رمضان 1942 مع الفنان الهادي الجويني الذي شدّ الانتباه بألحانه وأغانيه المتّسمة بالعاطفة الجياشة... وكانت المفاجأة الفنية في إحدى ليالي رمضان 1942، عندما صعد الهادي الجويني على الركح ليقدّم ولأول مرة أغنية تعدّد خصال المنصف باي الذي كان الى جانب الشعب التونسي في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وكان نصيرا للمناضلين والمجاهدين مما دفع السلط الاستعمارية الى نفيه خارج تونس. كانت أغنية «باي بابورين» تحية من النخبة المبدعة في تونس الأربعينات للمنصف باي تحية وفاء واعتراف بالجميل لرجل اختار شعبه على السلطة.