حافظ الشيرازي. كم من واحد منّا يعرف هذا الشاعر الفارسي الذي يضعه اليوم الإيرانيون في مرتبة الصديقين وتُقرأ أشعاره عند ضريحه في مدينة شيراز نهارا وليلا بلا انقطاع. إنه شمس الدين محمد المعروف بحافظ الشيرازي. حفظ القرآن عن أربع عشرة (14) رواية فلقّب بحافظ. ولد بمدينة شيراز سنة 1325 وبها توفّي سنة 1390). أقبل حافظ على دراسة كتب التصوّف ومنها خصوصا كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري ثم تفرّغ للتدريس ومارس الخلوة الصوفية. كتب حافظ الشعر بالفارسية وبالعربية معبّرا عن تجربته الروحية فجاء شعره مُفعما بمعاني العشق الإلهي والحبّ والعفو والرحمة وجمال الطبيعة باعتبارها عنصر إندماج ضمن الكون الناطق بعظمة الخالق. ويتعلق الايرانيون بحافظ ويحبّون شعره بل ويهيمون به إلى حدّ أنهم يتفاءلون به ويطلقون على ديوانه «فأل حافظ» لأنهم يرون في هذا الشاعر «ترجمانا للأسرار» ويلقبونه ب«لسان الغيب». ولا يخلو بيت في إيران من ديوان حافظ تكريسا لتقليد قديم حيث يقبل الشخص، رجلا كان أم امرأة، فيبدأ بقراءة الفاتحة ثم يقبّل الديوان ومع الدّعاء يفتح إحدى الصفحات ليرى ما يخبره به الشاعر. طارت شهرة حافظ في العالم وتُرجم ديوانه إلى سبع وعشرين لغة واعتبره الشاعر الألماني غوته أحد أعمدة الشعر في العالم. سُئل حافظ عن: من هو الشاعر؟ فأجاب: الشاعر هو الذي يسكب الضوء في كأس، ثم يرفع الكأس ليسقي به ظمأ الشفاه المقدسة. أتقن حافظ اللغة العربية وكتب شعرا عربيّا متين التعبير صافي المعنى رقيق المغنى. لكنه تفرّد بمزج العربية والفارسية في كثير من أشعاره لعلّ أشهرها على الاطلاق غزلية يفتتح بها ديوانه مطلعها كُتب بلسان غربي ثم تتواصل بالفارسية: ألا أيها السّاقي أدر كأسا وناولها كه عشق آسان نمود أول ولى افتاد مشكلها وقد ترجمت هذه الغزلية ترجمة منظومة: آلا أيّها السّاقي أدر كأسا وناولها بدا لي العشق ميسورا فأضحى يُسْرُهُ عُسْرا جمع حافظ في هذه الغزلية أكثر من معنى روحاني محمدي يعتمد القرآن والسنة النبوية. فهو يتحدث عن «اليقظة» وهي اصطلاحا عند أهل التصوّف القيام للّه من الغفلة الباطنية اعتمادا على الحديث الشريف «الناس نيام فإذا ماتوا أفاقوا». كما أنه يستعمل كنابة «الساقي» التي تشير إلى الله تعالى كما جاء ذلك في سورة الانسان: «وسَقاهُمْ رَبّهم شرابًا طَهُورًا». كما أنه يستعمل لفظ «الكأس» وهي في لغة المتصوفين رمزا للفيض الإلهي والمحبة الربانية يقول الشاعر ابن الفارض: وقالوا شربتَ الإثمَ كَلاّ وَإنّما * شربتُ التي في تَركهَا عندي الإثْمُ ومن أهم معاني هذه الغزلية الشهيرة سهولة العشق في البداية وصعوبته خلال الطريق. وفي هذا تعبير على أن الطريق إلى الله طويلة وصعبة ومتعبة لأن السائر إلى الله يسير إلى عكس ما تسير به الناس، أي إلى المادّة والشهوات والمظاهر بينما يسير هو نحو مجاهدة النفس ومراقبتها ومحاسبتها. أخيرا: يُرجع العارفون بتاريخ الشعر العربي صدر غزلية حافظ إلى الخليفة الأموي اليزيد بن معاوية المسؤول عن قتل الامام الحسين بن علي بن أبي طالب. عاتب البعض حافظ عن استعارة مطلع غزليته من شخص يبغضه الشيعة فأجاب إجابته الشهيرة: حين يأتيك كلبك بصيدك في فمه فهل تأخذها أم ترمي بها؟