لما سمع أبو سفيان بخروج المسلمين غير طريقة المعتاد ولحق بساحل البحر فنجا وسلمت العير وأرسل إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله فارجعوا، وهموا بالرجوع فأبي أبو جهل إلا القتال وقال: والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم عليها ثلاثا ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها فامضوا. ورغم قول أبى جهل فقد رجع بنو زهرة، وبنو عدي بن كعب، ولولا سلاطة لسان أبى جهل ورميه المترددين بالجبن والضعف لانسحب عدد كبير ووقف عتبة بن ربيعة حين وقف في معسكر المشركين يدعوهم إلى الرجوع إلا أن صوت عتبة وغيره من عقلاء قريش ضاع بين صرخات الحرب وشهوة الانتقام من جانب أبى جهل ومن انضم إليه ومضت قريش في مسيرها وكانت عدتهم ما بين التسعمائة والألف معهم مائة فرس وسبعمائة بعير ونزلوا بالعدوة القصوى من وادي بدر. دارت معركة بدر في صبيحة يوم الجمعة 17 من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وفي بدايتها عدل الرسول صلى الله عليه وسلم صفوف المسلمين . ثم نظر إلى قريش فقال: اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها تحاربك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم (أهلكهم) الغداة . وبارز عبيدة، وكان أسن القوم، عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة؛ فأما حمزة وعلي فلم يمهلا خصمهما أن قتلاهما، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه (أي جرحه جراحة بالغة) وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فأجهزا عليه واحتملا عبيدة وهو جريح ومات شهيدَا وحمي الوطيس واستدارت رحى الحرب واشتد القتال، حتى لقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالاً شديدًا، قال الإمام أحمد في حديث عن علي قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إلى العدو وكان من اشد الناس يومئذ بأسًا ولما أسفرت الحرب عن انتصار المسلمين وهزيمة المشركين، أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال: بئس العشيرة أنتم التي كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس وخذلتموني ونصرني الناس وأخرجتموني وآواني الناس، وقال حين رأى أبا جهل: هذا فرعون هذه الأمة وأمر بالقتلى أن يطرحوا بالقليب، فطرحوا فيه ووقف عليهم فقال: يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا، فقال المسلمون: يا رسول الله أتنادي قومًا قد جيفوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني . انتهى