لا يختلف متابعان للشأن الوطني في الاشارة الى وجود جوانب من توتر كان بالامكان تجاوزها في إدارة العلاقة بين الاطراف السياسية و ذلك رغم ما بذله رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من جهد محمود لتجسير الحوار والتفاعل بين محتلف الفاعلين في المشهد السياسي. و مما عمق هذا الشعور بالتوتر ما أصبحت تثيره الأوضاع داخل حركة "نداء تونس" من اهتمام و ردود فعل تفرضها الى حد كبير مكانة الحركة المحورية في عملية الانتقال الديمقراطي و ايضا مهمتها الأساسية في الاضطلاع بأعباء الحكم في ظرف دقيق و صعب الى جانب تكريس التوازن السياسي في البلاد. و لا شك أن الأيام الفارطة لم تأت بما هو إيجابي في ما يتعلق بالأوضاع الداخلية لحركة "نداء تونس" خاصة بعد أن خير رئيس الحكومة , و هو أيضا أحد أبناء الحركة و المؤثرين فيها , الإعلام وسيلة للحديث عن قراءته للأوضاع داخل حركة "نداء تونس". وهي القراءة التي فهمها الكثيرون على أنها استهداف للمدير التنفيذي حافظ قائد السبسي و تحميله ما لا يتحمل من مسؤولية الوضع داخل الحركة و في البلاد . و من موقع مسؤوليتي كأحد الذين تشرفوا بالمساهمة في تأسيس حركة "نداء تونس" اعتبر أن حافظ قائد السبسي ماانفك يلعب دورا هاما في حياة الحركة و في الحفاظ عليها خاصة بعد أن حاول البعض من الذين انتسبوا لها إضعافها مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية و ذلك بعد أن سعوا الى الالتفاف على المبادىء التي أقام عليها الرئيس-المؤسس "نداء تونس" بوصفه بوتقة التقاء لمكونات حقوقية و نقابية ويسارية مع المكون الأساسي و المحوري. و هو العائلة الدستورية من أجل تكريس التوازن السياسي . وما قام به حافظ قائد السبسي مهم. و يمنحه القدرة على مواصلة الاضطلاع به خاصة إذا ما جعلته الأزمة الحالية يقوم بعملية فرز دقيقة للحلقة المقربة من المحيطين به الذين تحرك بعضهم -للأسف- حسابات و أغراض بعيدة كل البعد عن حسابات الحركة وأهدافها. و هذه الملاحظة تنسحب أيضا على يوسف الشاهد الذي يبدو مدعوا ايضا الى إعادة النظر في توجهات و نوايا عدد من الذين أصبحوا فاعلين في محيطه و الذين لا يضعون المصلحة العليا لتونس فوق كل اعتبار. و هو ما انعكس سلبيا على جوانب من أداء الحكومة و على صورة يوسف الشاهد نفسه الذي يعتبر من الاطارات التي تعتز بها حركة "نداء تونس" و الذي يمكن أن يلعب دورا في تطوير الأوضاع في بلادنا و في تكريس برامج الإصلاح و التغيير . و من شأن إعادة ترتيب البيت لكل من رئاسة الحكومة و حركة "نداء تونس" إغلاق الباب أمام الذين لا تهمهم الا مصالحهم الذاتية. و هو ما ينعكس ايجابيا على الأداء و يسمح الى جانب الارتقاء بالأداء الحكومي بتفرغ المدير التنفيذي لحركة "نداء تونس" لمهمة أصبحت حيوية. و هي الإعداد لمؤتمر وطني يليق من حيث المضامين و الأهداف بالحركة و بموقعها. و يؤكد على أن من بين مهامها تجميع العائلة الدستورية بوصفها الى جانب الاسلاميين و اليساريين و القوميين من المكونات الأساسية للمشهد السياسي . و لا أرى شخصيا دورا ايجابيا في المستقبل لمن تخلى عن الحركة في ظرف دقيق وحساس و لمن يحاول العودة اليها خدمة لاغراضه الشخصية و اعتبر في المقابل انه من الضروري ان يكون الدساترة أكثر حرصا على لعب دور محوري في مستقبل حركة "نداء تونس". و لا شك أن تجاوز لحظة الارتباك الحالية يمر ايضا عبر إدراك حركة النهضة لكل ما يفرضه التوافق من تحمل أكثر للمسؤولية . ذلك أننا بقدر ما نعتبر التوافق ضروريا و هاما بقدر ما ننظر اليه بوصفه تحملا مشتركا لمسؤولية و لأعباء الحكم. و هو ما لا نلمسه الى حد الآن من حركة النهضة التي لم تحدد الى حد الآن موقعها في الخارطة السياسية وتميل في الغالب الى الحذر و الى أن تكون للمعارضة أقرب في حين أن المنطق السليم يفرض اعتبارها شريكا كامل الحقوق و الواجبات في الاضطلاع بأعباء الحكم و في تجنب الانخراط في الشؤون الداخلية للشريك الآخر . و بقدر ما نسوق هذه الملاحظات و ندعو الى الاستلهام من حكمة الرئيس الباجي قائد السبسي في معالجة الأمور وتخطي الصعاب فإننا لا نخفي التفاؤل بأن الأيام القادمة ستكذب ظن المتسرعين الذين اعتبروا أن الخلافات داخل حركة نداء تونس قد بلغت خط اللاعودة و بأن الحركة ستخرج أقوى من هذه الأزمة وذلك في أقرب وقت لأن مؤسسها راهن على البناء و الإنجاز و هو أقوى في كل الحالات من معاول الهدم و الإعاقة.