يعتبر الصيام من أعظم ساحات الجهاد الروحي للإنسان في الإسلام، ففيه يمسك الإنسان طوعا عن الطعام، والشراب، والشهوات، كشهوة الجنس، ابتغاء وجه الله تعالى، فهو يمتنع بإرادته عن تناول هذه الأشياء التي يشتهيها، ولا يمدّ يده إليها، وهي ميسورة له، فهو يجوع وبجواره طيب الغذاء، ويظمأ وأمامه بارد الماء، ويمتنع عن مباشرة زوجته، وهي بجانبه، ولا يتناول السيجارة وعلبتها في جيبه، إنه اختبار حقيقي لمدى إيمان الإنسان، وإرادة الإنسان. والمؤمن قطعا ينجح في الامتحان الصعب، ويحقق الاستعلاء الاختياري، الذي يثبت بحق انتصار الإنسان، حين تنتصر فيه الروح على الطين والصلصال والحمأ المسنون، تنتصر أشواق الروح الصاعدة على غرائز الجسم الهابطة، وتنتصر إرادة الإنسان على شهوة الحيوان. لهذا نسب الله تعالى -في الحديث القدسي- الصيام لذاته المقدسة حين قال: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه من أجلي، ويدع شرابه من أجلي، ويدع زوجته من أجلي، ويدع شهوته من أجلي». ورمضان شهر التوبة من أجل الله وحده، ترك الإنسان لذَّاته وشهواته، وصام عنها شهرا كاملا من تبين الفجر إلى غروب الشمس، إيمانا واحتسابا، فكان هذا الشهر تطهيرا له من دنس السيئات التي ربما توَّرط فيها طوال عامه، وكأن هذا الصيام حَمَّامٌ روحي يغتسل فيه سنويّا من أدران خطاياه، فيخرج منه نظيفا طاهرا، وهو ما عبَّر عنه الحديث النبوي الذي قال فيه: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه». وإذا كانت الصلوات الخمس حماما أو مغتسلا يوميّا، يغتسل فيه المسلم كل يوم خمس مرات، فإن صيام رمضان مغتسل سنوي، يكمل ما تقوم به الصلوات الخمس من تطهير.