كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها، وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما وضوء رسول الله: « فتوضأ ولم يكثر من الماء، ولم يقصر في الوضوء». [رواه مسلم] . بل كان القصد صفة بارزة للأنبياء كما في الحديث :» السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد، جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة».[صحيح الجامع]. وحين نستنكر الغلو فإننا ننكر الإفراط بشدة الإقبال والالتزام المفضي إلى الترك، أو الملل أو الخروج عن القصد بسبب المبالغة في النوافل، أو العمل على جهل وغفلة، كما ننكر التفريط والتهاون بشدة التكاسل والتقصير والإعراض والانفلات، ولكن الثاني تستنكره الطباع السليمة عادة، أما الأول فهو الذي يغتر به المغترون، ويلتبس على كثير من الناس، وهو الذي قال فيه الرسول: « هلك المتنطعون». [رواه مسلم]. وحذر منه بقوله: « يا أيها الناس! إياكم والغلو في الدين ؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين «. [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]. وإنه لمن الغلو ومجانبة القصد أخذ النفس بالعزيمة فيما ترخص به النبي، وفي ذلك يقول النبي: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني أعلمهم بالله، وأشدهم له خشية». [رواه البخاري]. وقد طالبنا الشرع بالتعود على القصد والتوازن في أمورنا الحياتية، حتى يغدو القصد خلقا وطبيعة، فقد قال ربنا تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾ (الإسراء:29) وقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ [الفرقان:67]. ونهى رسول الله عن المغالاة في الطعام والشراب، وعن المغالاة في المهور، مثلما نهى عن الغلو في الرجاء الذي يجعل الناس يتكلون، وعن الغلو في الخوف الذي يجعل الناس يقنطون، وعن الغلو في المدح الذي يجعل الناس يشركون أو ينافقون، كقوله: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله «. [رواه البخاري].