من الصفات النبيلة والأخلاق العظيمة التي تمثلت في سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق التفاؤل. فقد كان صلى الله عليه وسلم متفائلا في كل أحواله، في وقت عسره ويسره وسلمه وحربه. وضرب صلى الله عليه وسلم أروع المثل للأمة في حسن الظن بالله والثقة في وعوده، ففي أشد الأزمات يبشر المؤمنين بالفتح. عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللهَ زوي لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا فَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ. (أخرجه أحمد ومسلم) ونهى صلي الله عليه وسلم عن الطيرة، فقال: لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح الكلمة الحسنة. (متفق عليه)
كما نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع بسب الدهر أو الإدعاء بأن النّاس قد هلكوا وأن الخير قد انتهى من النّاس. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الْخَيْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. (أخرجه أحمد والبُخاري ومسلم).
التشاؤم سمة المنهزمين
فالإسلام يرفض التشاؤم لأنّه سمة المنهزمين ويدعو إلى التفاؤل الحسن لأنّه حال المنتصرين. قال صلى الله عليه وسلم: التفاؤل من الرحمن والتشاؤم من الشيطان. والنّبيّ صلى الله عليه وسلم علمنا أن رسالتنا هي رسالة التفاؤل الحسن رسالة التبشير بالخير وليس التنفير رسالة اليسر لا رسالة العسر. فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: فإنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا معسرين. (رواه البخاري) والله عزّ وجلّ يتعامل مع خلقه على قدر تفاؤلهم وظنّهم به.
فمن حسن ظنّه بالله واستبشر بالخير وأيقن أن الله يقدّر له الخير كان له من الخير على قدر ظنّه بالله ومن ظنّ بالله غير ذلك كان له أيضا على مثل ما ظنّ به في الله. قال تعالى في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي, إن ظن بي خيرا فله وان ظن بي شرا فله. (رواه مسلم).
وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبث في نفوس صحابته رضوان الله عليهم روح التفاؤل والجد والإقدام حتى في أحرج الظروف وأشدها وأقساها، وكان يحب أن يستبشر بالخير . وكان ينهي قومه عن كلمة (لو) لأنّها تفتح عمل الشيطان، إنّما أمرهم أن يقولوا: (قدّر الله وما شاء فعل) وكان منهجه في التفاؤل يتجلى في تطبيقه لقوله تعالى {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة 216).
من ثمرات التفاؤل
1 يرفع المعنويات ويمحو الانهزامية والانكسار ويزيد الإنتاج. 2 يدفع العبد إلى الرجوع والتوبة عن المعصية حين يعلم أن الله يغفر الذنوب وهو أهل التقوى وأهل المغفرة،قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر 53). 3 يجعل العبد مطمئنًا على رزقه دون قلق، لأن الله تعهد بذلك.قال تعالى {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} (هود 6). فلن تموت نفس حتى تستوفي أجلها، كما قيل الرزق مقسوم والأجل محتوم. فحاول أن تكون متفائلاً ومبتسمًا للحياة وكن جميلاً تر الحياة جميلة. 4 الفأل من صفات الذين يدخلون الجنّة بلا حساب ولا عذاب قال صلى الله عليه وسلم: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ لا يَرْقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. (أخرجه مسلم و أحمد)