لئن اعتبر الفنان الراحل رضا القلعي من أبرع العازفين على الكمنجة وأشهرهم، فإن مسيرته الفنّية تميّزت بعدّة أعمال جعلت منه رائدا في الميدان الموسيقي: فقد كان يؤلّف الأغاني ويلحّن ويشرف على قيادة «فرقة المنار»، وهي أعمال متكاملة ومترابطة. ففي مجال كتابة الأغاني، كان الغالب على كلماته الطابع العاطفي. وقد أوكل إلى المطرب الهادي القلاّل أداءها، فاشتهرت بصوته وانتشرت في كامل بلدان المغرب العربي.لكنّه، بالاضافة إلى الأغاني العاطفيّة، ألّف أيضا باقة من الأغاني الوطنيّة مجّد فيها نضال شعبه وبسالة أهله أو تغنّى فيها بجمال بلاده وسحر مشاهدها الطبيعيّة. وفي مجال التلحين، اكتشف رضا القلعي عدّة أصوات شابّة، فكان ملحّنا لجيل كامل من المطربين والمطربات أمثال الهادي المقراني والهادي القلاّل ومحمد أحمد وعليّة ونعمة، وقد بثّ فيهم روح الاعتزاز بتراثهم الفنيّ. أما «فرقة المنار» التي أسّسها في بداية الخمسينات فقد أشرف على حظوظها بكلّ اقتدار، وكانت تقيم حفلات لا في تونس العاصمة وحدها بل تتجوّل في كامل أنحاء البلاد التونسيّة، فنالت شهرة واسعة جعلت ألحان القلعي تنتشر في كلّ مكان. فرقة المنار وقد فاق ولع رضا القلعي بالكمنجة كلّ حدّ إلى درجة أنّه انسلخ عن فرقة «فتحيّة خيري» التي منعته من أن يقدّم عزفه الفردي في فصول أغانيها إذ شعرت بأنّه بدأ يسحب منها نجوميّتها. وبهذا الاندفاع والإصرار على فرص العرض الآلي انتقل رضا القلعي سنة 1948إلى تكوين فرقة خاصّة به هي فرقة «المنار» التي أسّسها صحبة ثلّة من عازفي الآلات الغربية: البشير جوهر عازف الترومبات والهادي الصنهاجي عازف التشلّو، وأحمد القلعي عازف العود ومحمود الفلعي عازف الناي .وفي ختام هذه السنة قدّمت الفرقة باكورة أعمالها في عرض فنّي نال الاستحسان بقصر الجمعيّات الفرنسية -دار الثقافة ابن رشيق حاليا- وقد شارك في هذا الحفل عدد من المطربين قدّموا أعمالا من تلحين رضا القلعي بدت فيها جميعا بصمة التجديد، نذكر من هذه الأعمال أغنيتين للهادي المقراني «ما عندي غيرك في الدنيا» و»يا ما أحلى الفنّ» وأغنية لوردة الجزائرية «ظلموني حبايبي». كما غنّت ثلّة أخرى من المطربين أغانيها الخاصّة بمصاحبة فرقة المنار على غرار «علي الرياحي» و»صليحة» و»راؤول جورنو».» ومنذ ذلك العرض الأوّل للفرقة عرف رضا القلعي نجاحا منقطع النظير وأصبح عازف الكمنجة الأوّل بالبلاد. وقد عرفت فرقته خلال الخمسينات ذيوعا كبيرا بفضل المجهود الكبير الذي أبداه في إنتاج الأغاني ذات الطابع المميّز وذات التوجّه الواضح في التجديد، وبفضل إضافة عناصر جديدة للفرقة على غرار «محمد سعادة» عازف الناي و»عبد المجيد الخميري» و»عبد المجيد الحركاتي» و»العروسي البلّيري» عازفي الكمنجة. وقد استطاع رضا القلعي بهذا التوسّع أن يدمج آلة الكمنجة في الفرقة الموسيقية التونسية وأن يعطيها موقع الصدارة في إنجاز الجرس الموسيقي الخاصّ بالطابع الجديد من الأغاني. كما وفّر لنفسه مساحة لأداء المقاطع المنفردة وخاصّة بعض التقاسيم والارتجالات في الطبوع التونسية وفي المقامات الشرقية ممّا بوّأ آلة الكمنجة منزلة خاصّة في الفرق العصرية التونسية، ما فتئت منذ إنشاء فرقة الإذاعة الأولى تحتلّ مكانة بارزة ضمن جلّ الفرق الناشئة منذ الاستقلال .