فاجعة قرقنة أكدت ان منسوب اليأس لدى التونسيين ارتفع بشكل مذهل وخطير خلال السنوات الاخيرة... كل التونسيين نسوا تلك الأحلام وتلك الأماني التي وعدوهم بها السياسيون، لاشيء الان تحقق غير اليأس وفقدان الثقة في المستقبل... صحيح ان الذين فقدوا حياتهم ينتمون الى المناطق الداخلية المحرومة والمهمشة لكن فاجعة قرقنة أكدت حقيقة جديدة ان الرغبة في الحرقة واختيار الهجرة الشرعية لم يعد مقتصرا على أولئك الذين انقطعوا عن الدراسة من العاطلين والمهمشين والمحرومين بل تجاوز ذلك ليشمل الان خريجي الجامعات وحاملي الشهادات العليا... تونس اليوم امام الهروب الكبير دون ان تعي هذه الحقيقة الخطيرة والمؤلمة، حقيقة ان تفقد كل ابنائها الذين سيتحولون الى مهاجرين غير شرعيين في كل بلدان أوروبا... على الحكومة وكل المسؤولين في الدولة ان يعوا الحقيقة الجديدة حقيقة فقدان التونسيين للأمل في ان يتحقق التغيير الحقيقي... ومقابل جحافل المهاجرين غير الشرعيين يغادر تونس سنويا آلاف الأطباء والصيادلة والمهندسين والأساتذة الجامعيين الذين اختاروا البحث عن مستقبل جديد في بلدان اخرى لتتحول تونس في السنوات القادمة الى وطن دون كوادر ودون كفاءات ودون متعلمين أصلا... الدولة التونسية مقصرة في حق ابنائها لانها لا تستمع الى مشاغلهم ولا ترعى تطلعاتهم ولا تساعدهم على تحقيق طموحاتهم، فقط هي تكتفي بالفرجة ولاتفكر في حلول... في تونس اليوم آلاف الأطفال يغادرون سنويا مقاعد الدراسة ويتحولون الى عاطلين ومتسكعين ثم يصبحون ضحايا لحلم الهجرة... للأسف الكبير اصبح التونسيون اليوم يعتقدون ان مستقبلهم صار خارج وطنهم وان تونس تحولت فقط الى حلبة يتصارع فيها السياسيون واصحاب المصالح والنفوذ ولا احد مكترثا بهموم الشعب الذي يعاني اليوم من تدهور مستوى حياته ومن غياب الدواء وارتفاع الأسعار وهيمنة المحتكرين والمضاربين والمهربين... على الدولة ان تدرك انها هي المسؤولة. السياسيون في تونس منهمكون بالخلافات والصراعات والحسابات المصلحية في الوقت الذي يغرق فيه الوطن ويفقد كل يوم العشرات من ابنائه .... الامر الان يتطلب وضع تصورات وبرامج حقيقية والتفكير بعمق في إيجاد حلول قبل ان يموت كل التونسيين غرقا.