ضمن سلسلة عروضه لمسرحية "الباش"، اقترح فضاء "مسار" أول أمس على رواده حلقة نقاش حول "المهاجرين السريين وعملية تشغيلهم" وذلك في اطار مشروع "الباش ايجا تفرج باش تتبدل" وهو عبارة عن مجموعة من المقترحات يسعى فضاء مسار بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الانسان– الداعم لهذه المسرحية- لتحقيقها من خلال حلقات نقاش تهم الهجرة السرية تبرمج أيام الاحاد مع عدد من الخبراء والمختصين في علم الاجتماع والقانون وكان عرض الاحد 9 جوان الحالي الخامس في هذا الشأن، حيث سبق وأن تعرض الحاضرون ضمن هذه حلقات النقاش لمسائل متنوعة منها أسباب الهجرة السرية والقوانين المنظمة لها إلى جانب وضعية المهاجرين المحجوزين وامكانيات ادماجهم اجتماعيا في دول الاستقبال. عرض مسرحيّة"الباش" نص واخراج صالح حمّودة حضره، وزير الثقافة مهدي مبروك بصفته مختصا في علم الاجتماع وسبق له أن طرح موضوع الهجرة غير الشرعية في دراساته العليا كما ألف كتابا عن هذه الظاهرة وحضره عدد آخر من السياسيين خاصة من نواب المجلس الوطني التأسيسي.. وفضل نائب حركة النهضة عن الجالية التونسية بايطاليا أسامة الصغير مغادرة فضاء "مسار" بعد العرض مباشرة دون المشاركة في حلقة النقاش الخاصة بالظاهرة رغم أن مضامين العمل تروي قصص ثلاث مهاجرين تونسيين لايطاليا باعتبار أن عنوان المسرحية "الباش" – في لغة البحارة- يحيلنا على رياح تهب على بلادنا في اتجاه ايطاليا كما أن الموضوع المقترح يهمه كنائب يمثل فئة اجتماعية من التونسيين تعيش بعض مآسي العنصرية بالخارج وتحديدا بايطاليا مما أثار استياء بعض الحاضرين الذين استغربوا انسحابه من الفضاء. من جهته نوه وزير الثقافة مهدي مبروك بالعرض وحيا فريقه المسرحي وخصوصا الممثل عماد الساكت، الذي قدم شخصية شاب مثقف يهجر وطن لا يعترف بقيمة كفاءاته، حيث تفاعل الوزير مع هذه الشخصية وخاصة مع الاداء المميز لعماد ساكت لشخصية "لاتشا"المثقف. وقال الوزير في ذات السياق، أن"الباش" عمل قيم يتناول ظاهرة مهمة وهي الهجرة السرية مشيرا إلى أن مبدأ حرية التنقل حق كوني ومن الضروري اليوم التأكيد على حق الهجرة كما لفت انتباه الحاضرين إلى بعض مظاهر العنصرية التي بدأت بالانتشار في بلادنا تجاه المهاجرين الأفارقة بتونس. تستعرض مسرحية "الباش" في ديكور أسود يعكس بؤس أبطال العمل معاناة المهاجرين السريين لأرض الأحلام أوروبا... تصارع الشخصيات الثلاث (بيسي والزقع ولاتشا) واقعها المظلم وتتحدى الحدود بين الجنوب والشمال لتنتقل من مستنقعات الفقر والتهميش بالوطن (جنوب المتوسط) لمستنقعات أعمق بالشمال، حيث الرذيلة ومافيا الدعارة والمخدرات وحتى التطرف الديني والإرهاب.. في هذه الأرض الجديدة يتعرى أبطال"الباش" كاشفين عن أوجاعهم لمومس الملهى الليلي "لوتشيا" أو كما كانت تدعى في أرضها الأم "خديجة"... في"الباش" لا فرق بين المثقف والفنان والعاطل والمومس.. هم ضحايا ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية لأوطانهم ولعّلهم في أحيان أخرى ضحايا لاستسلامهم.. فالعاطل"بيسي" يرى في نظرة المجتمع السلبية لسلوكه سببا في هجرته وبحثه عن عالم جديد أمّا الفنان الراقص"الزقع" فيري في جسده سلاحا لمحاربة القيود الاجتماعية والسياسية وتجارة الدين فيما يكشف المثقف "لاتشا" أن الهجرة لم تحقق له آماله فهو الهائم الباحث عن وطن لفظه منذ كان على مقاعد الدراسة.. لوتشيا هي الأخرى تتمرد على الرجل في حياتها وتحمله ماسي عالمها لتطلق العنان لآلامها وألام الأرض القادمة منها... ارض ينتمي أبناؤها لتوجهات متضاربة متناقضة وأحيانا متقاربة.. أرض يعيش عليها العلماني والإسلامي والشيوعي والسني والملحد والمتدين والمثقف والجاهل والعاطل والمتسلق والمنافق والمتناغم مع كل التيارات والألوان.. هي صفات وتصنيفات أشارت بها "لوتشيا" لعالم يماهي راهننا لخصته في عبارة "نحن الداء والدواء..". تجدر الإشارة إلى أن مسرحية "الباش" جسد أدوراها وبإتقان وتميز عدد من الممثلين من الشباب وهم صالح حمودة وعماد الساكت ورانيا النايلي ومحمد اللافي ووجدي قاقي.