مظاهر الرحمة لهذه الأمة ألوان متعددة، ولها صور متجددة، ومنها تيسير دين الإسلام، ورفع الحرج عن معتنقيه، قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6]، وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]. إن هذه السمة البارزة في الشريعة الإسلامية جليّة الظهور في كثير من تشريعات الإسلام، وهذا يدل على رسوخها في التكوين التشريعي. فمن تلك الأبواب التي أضحى فيها التيسير واضحَ المعالم، يدرك عمومَه المسلمُ الجاهل، والمسلم العالم: التيسيرُ والتخفيف في باب صيام رمضان. ففي رمضان تمتد أفنان التيسير على الصائمين فيجدون في ظلالها السهولة واليسر في القيام بهذه العبادة العظيمة. ففي حديث سورة البقرة عن صيام رمضان جاء قولُ الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]، ليبين أن «مشروعية الصيام وإن كانت تلوح في صورة المشقة والعسر فإن في طيها من المصالح ما يدل على أن الله أراد بها اليسر أي: تيسير تحصيل رياضة النفس بطريقة سليمة من إرهاق أصحاب بعض الأديان الأخرى أنفسهم»، فالله تعالى» أوجب الصوم على سبيل السهولة واليسر؛ فإنه ما أوجبه إلا في مدة قليلة من السنة، ثم ذلك القليل ما أوجبه على المريض ولا على المسافر، وكل ذلك رعاية لمعنى اليسر والسهولة»، «وإن شرعية صيام رمضان مع الرخص التي تسوغ الإفطار هو من تيسير أداء الفريضة؛ ذلك أن من شأن هذه الشريعة أنها إذا كلّفت تكليفًا فيه مشقة فتحت بابَ الترخيص؛ ليسهل الأداء وليداوم عليه ويستمر من غير تململ، ولا تحمل المكلفين على أقصى المشقات؛ ولذا قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185] وهذا النص الكريم فيه إشارة إلى تعليل هذه الرخص، وفيه إشارة إلى الوصف العام لشرع الله تعالى الذى دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يسروا ولا تعسروا»، «وما خُيِّر النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن معصية».