الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    المهدية .. للمُطالبة بتفعيل أمر إحداث محكمة استئناف ..المُحامون يُضربون عن العمل ويُقرّرون يوم غضب    فازا ب «الدربي وال«سكوديتو» انتر بطل مبكّرا وإنزاغي يتخطى مورينيو    بنزرت .. شملت مندوبية السياحة والبلديات ..استعدادات كبيرة للموسم السياحي الصيفي    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    جندوبة...المندوب الجهوي للسياحة طبرقة عين دراهم.. لدينا برنامج لمزيد استقطاب السائح الجزائري    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    نابل: السيطرة على حريق بشاحنة محملة بأطنان من مواد التنظيف    رمادة: حجز كميات من السجائر المهربة إثر كمين    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراجع إلى 8 درجات    حنان قداس.. قرار منع التداول الإعلامي في قضية التآمر مازال ساريا    التضامن.. الإحتفاظ بشخص من أجل " خيانة مؤتمن "    أي تداعيات لاستقالة المبعوث الأممي على المشهد الليبي ؟    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    عاجل/ أحداث عنف بالعامرة وجبناينة: هذا ما تقرّر في حق المتورطين    النادي الصفاقسي : تربّص تحضيري بالحمامات استعدادا للقاء الترجّي الرياضي    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    عاجل/ إنتشال 7 جثث من شواطئ مختلفة في قابس    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميلته بآلة حادة داخل القسم    ليبيا: ضبط 4 أشخاص حاولوا التسلل إلى تونس    ازدحام و حركية كبيرة بمعبر ذهيبة-وازن الحدودي    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    طبرقة: فلاحو المنطقة السقوية طبرقة يوجهون نداء استغاثة    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 8 أشخاص في حادثي مرور    عاجل/ أمطار رعدية خلال الساعات القادمة بهذه المناطق    عاجل : الإفراج عن لاعب الاتحاد الرياضي المنستيري لكرة القدم عامر بلغيث    هيئة الانتخابات:" التحديد الرسمي لموعد الانتخابات الرئاسية يكون بصدور امر لدعوة الناخبين"    طلاق بالتراضي بين النادي الصفاقسي واللاعب الايفواري ستيفان قانالي    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    جربة: إحتراق ''حافلة'' تابعة لجمعية لينا بن مهنّى    الجامعة تنجح في تأهيل لاعبة مزدوجة الجنسية لتقمص زي المنتخب الوطني لكرة اليد    عاجل : مبروك كرشيد يخرج بهذا التصريح بعد مغادرته تونس    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    تونس : 94 سائحًا أمريكيًّا وبريطانيًّا يصلون الى ميناء سوسة اليوم    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    صور : وزير الدفاع الايطالي يصل إلى تونس    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    وزير الدفاع الايطالي في تونس    جرايات في حدود 950 مليون دينار تُصرف شهريا.. مدير الضمان الإجتماعي يوضح    بسبب فضيحة جنسية: استقالة هذا الاعلامي المشهور..!!    لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سماحة الاسلام مع أهله وغير أهله
بمناسبة رمضان المعظّم :
نشر في الشعب يوم 22 - 09 - 2007

لأنه الدين الخاتم الذي ما بعده شرع سماوي يجدّد للناس ما اندثر ويصحح لهم ما حرّف أو بدل من نصوص الشريعة الصادقة والأحكام الربانيّة التي ارتضاها الله لعباده في الارض قاطبة بشرقها وغربها وبمن فيها من ذريّة آدم كافة ذكورا وإناثا حكاما ومحكومين فقراء واغنياء علماء وجهلاء مرضى وأصحاء، ومن أجل ذلك جاء هذا الدين متميّزا عن كلّ الديانات الاخرى بميزة الشمول مع اليسر والسهولة، ففي حين جاءت الأديان السماوية السابقة عن الاسلام خاصة بأقوامها واوقاتها كما يؤكد القرآن ذلك في قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا الى قومه فقال يا قومي اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره، إنّي اخاف عليكم عذابُ يوم عظيم} (57 الاعراف) {ولقد ارسلنا من قبلك رسلاا الى قومهم فجاؤوهم بالبينات} (47 الروم)، وليس ذلك صدفة وانما الحكمة يعلمها الله ربما منها ان البشرية لم تصل في ذلك الوقت الى الحدّ الادنى من النضج والفكر والحسّ المدني او المستوى الحضاري الذي يؤهلها لتلقي تعاليم السماء فيما يخص توحيد الله وتحمّل مسؤولية الاعتقاد في الله وحده والانضباط وفق تلك العقيدة وتعاليمها، وبمرور الزمان وتعاقب الاجيال تحقق ذلك كليا او نسبيا، فأراد الله ان يختم الرسالة ويعمّمها لكل البشر في كامل الارض فكان الاسلام هو الرسالة الخاتمة والشريعة العامة {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} 85 آل عمران {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} 33 التوبة.
ويخاطب الله رسوله مباشرة في أكثر من موقع من القرآن العظيم: {وأرسلناك للناس رسولا وكفى باللّه شهيدا} 79 النساء، {وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا} 28 سبأ، {وما ارسلناك الا رحمة للعالمين} 107 الانبياء. ولكي تتحقق هذه الشمولية لتتسع لجميع الناس ويطبّقها كل المكلفين جاءت الخاصية الثانية والاهمّ وهي يسر أحكام الإسلام في العبادات والمعاملات مع سهولة العمل بها من طرف الناس أجمعين، فكان هذا التيسير في العبادة لله والمعاملة مع الناس والاخلاق والسلوك واضحا في نداءات الشريعة واحكامها وعقائدها واصولها وفروعها ومقاصدها... وهنا تتجسم سماحة الاسلام وليونة تعاليمه في غير ضعف ولا تسيّب مع أهله وغير أهله مراعاة لأحوال كل البشر وما يعترضهم من قوّة وضعف وصحة ومرض وسفر وإقامة وغنى وفقر...، لأن الله تعالى هو العليم بخلقه المطلع على سرهم ونجواهم في حلّهم وترحالهم {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} 14 الملك وهذا اللين في غير شدّة والتيسير في غير عسر القصد منه رفع المشقة وعدم إعنات الناس لتتشكل الخاصية المميزة للدين الاسلامي والعنصر الضامن لصموده وعمومه واستمراره الى ان يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين، وقد تعددت الآيات والنصوص من الكتاب والسنّة الدّالة كلها على اليسر في الفهم والتيسير في العمل بأحكام شريعة الله السمحة منها: {يريدالله ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا} 28 النساء {يريد الله بكم اليسر ولا يريدبكم العسر...} 185 البقرة واليسر في اللغة وعند الفقهاء هو حقيقة كل عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم وعكسه العسر اي الذي يجهد النفس ويضرّ البدن و{لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا} 7 الطلاق {ما جعل عليكم في الدين من حرج} 78 الحج والحرج هو المشقة التي تحرج صاحبها وتقلقه لانها زائدة عن قدرته واستطاعته ولذلك قال العليم القدير: {فأتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا} 16 التغابن، وفي الهدى النبوي الرشيد يقول عليه الصلاة والسلام: {ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم} حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
وفي القسم الاول من هذا المجال الواسع الرحب مجال سماحة الاسلام مع اهله نبدأ بباب التكاليف على مستوى الفرد بعينه انطلاقا من الاساس اي من قواعد الاسلام الخمسة التي جعلها ميسرة في مطلوباتها واضحة في ادلتها ومقاصدها من الايمان بالله واسمائه وصفاته وكماله وايمان بالملائكة والكتب والنبيئين وباليوم الاخر مع القضاء والقدر والدلائل عليها كلها ظاهرة من خلال اعمال العقل وامعان النظرفي السماوات والارض وما بينهما من سائر الموجودات وفي الاعتبار بآثار الامم السابقة والاقوام المنقرضة من خلال قصص القرآن واخبار الانبياء السابقين مع الفراعنة المتجبّرين واقوام عاد وثمود واصحاب الأيْكة وقوم تبع وقوم لوط وغيرهم من المنحرفين عن الجادة والسلوك الرشيد فكانت الاوامر والنواهي او أحكام هذه التكاليف التعبديّة لا تخرج عن قدرة المكلفين بها ومراعاة أحوالهم المعرّضة للتغيير باستمرار، ومن اراد الخروج عن هذه القاعدة فهو متنطع، والمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال اكثر من مرة {هلك المتنطعون}، وهذا الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود يقول» {إياكم والتنطع اياكم والتعمق وعليكم بما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واصحابه وهو اليسر والبعد عن التشدد ومظاهر التكلّف...} وذلك هو مسلك اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم والمقتدين بهم في العبادة والمعاملة فإذا كانت اهم العبادات واعظمها بعد الاقرار بوجود الله وتوحيده ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم هي الصلاة التي تكرر الامر بها في اكثر من آية من القرآن الكريم مثل:{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الرّاكعين} 43 البقرة {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله} 13 المجادلة {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا باللّه هو مولاكم} 78 الحج وجعلها الرسول صلى الله عليه وسلم علامة الايمان البارزة او الحدّ الفاصل بين الكفر والايمان كما اخرج الامام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ان بين الرجل وبين الشرك (او الكفر) ترك الصلاة} ونقل عن عبد الله بن مسعود انه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم اي العمل افضل؟ فقال (الصلاة لوقتها) (انظر ص 13 من مختصر صحيح مسلم) هذه الصلاة المفروضة والمؤكد عليها في الكتاب والسنة) حاطها الدين بكل ظروف التيسير والتخفيف بداية من وقتها الى كيفية ادائها واصلاحها حتى لا يتخلف أحد عن القيام بها وبالتالي لا يُحرم من اجرها وثوابها فأوقاتها ربطت ببساطة بطلوع الفجر وزوال الشمس وظلها وغروبها وقبلتها المطلوبة هي ما يغلب على ظنك بين المشرق والمغرب في اتجاه الكعبة وفي الطهارة التي هي شرط اساسي ولازم لصحتها تكون بالماء على طبيعته والقاعدة العامة فيه (أن كثير الماء لا ينجسّه قليل النجاسة) ومن هنا كانت مياه البحار والانهار والآبار كلها صالحة للطهارة ولو لم تكن صالحة للشرب وفي ذلك توسعة ورحمة واذا شق استعمال الماء التيمم الذي يتم بالضرب على الصعيد الطاهر من تراب او حجر والمسح على الوجه واليدين وهو رخصة يثاب فاعلها عند الاقتضاء والاصل في الصلاة ان تكون من قيام فمن لم يستطع رُخّص له في الجلوس فمن لم يستطع فعلى جنبه او مضطجعا بالايماء والاشارة {لا يكلّف اللّه نفسا الا وسعها} 286 البقرة (لا تكلف نفسا الا وسعها) 233 البقرة ويجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت جمع تقديم او تأخير عند السفر او العمل والمسافر فوق 84 كلم يقصّر من الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين ربحا للوقت وتخفيفا في الاداء ومن أمّ الناس في صلاتهم فليخفف اكثر ما يمكن فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان اطول الناس صلاة اذا صلى لنفسه (أي نوافل في البيت او في الجامع، ولكنه كان اخفّ الناس صلاة إذا صلى بالناس مراعيا ظروفهم وتفاوتهم في الاحتمال وقال {إذا صلى احدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير واذا صلى احدكم لنفسه فليطل ما شاء} رواه البخاري وقال لمعاذ بن جبل لما اطال الصلاة بالفهم (أفتّانٌ انت يا معاذ؟ وكرّرها ثلاثا ( ومن التشديد على الناس محاسبتهم على النوافل والسنن كانها فرائض والمفروض لا نلزم الناس الا بما الزمهم الله تعالى جزما ويقينا ومازاد على ذلك فهم مخيرون فيه، ان شاؤوا وفعلوا وان شاؤوا تركوا وحسبنا حديث طلحة بن عبد الله المنقول في الصحيح عن قصة ذلك الاعرابي الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عما عليه من الفرائض فأخبره بالصلوات الخمس وبالزكاة وبصوم رمضان فقال هل عليّ غيرها قال لا الا ان تطوّع فقال: والله لازيد على هذا ولا انقص وادبر مسرعا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم افلح ان صدق. وفي رواية من سرّه ان ينظر الى رجل من اهل الجنة فلينظر الى هذا (يتصرف عن الشيخ يوسف القرضاوي في مجلة العربي جانفي (1982 ويواصل قوله بحسبنا من المسلم في هذا العصر ان يؤدي الفرائض ويجتنب الكبائر لنعتبره في صفّ الإسلام وانصاره مادام ولاؤه لله ورسوله حتى وان ألمّ ببعض الصغائر من المحرمات فعنده من الحسنات مثل اداء الصلاة في اوقاتها وصلاة الجمعة وصيام رمضان وغيرها ما يكفّر عنه هذه الصغائر واستدل بقول الله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} 31 النساء، ولكن هذا يتطلب حدا أدنى على الاقل من التفقة في الدين ومعرفة احكام العبادات (ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وانما العلم بالتعلّم) كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي غياب التفقّة في الدين وتفشي ظاهرة الادعاء والغرور بسبب خلو التعليم الرسمي والاعلام المسموع والمرئي الذي يقتحم بيوتنا دون استئذان من التربية الاسلامية الدسمة والصحيحة فبقيت الاسرة (البيئة الاولى في حياة الطفل) مفتقرة كليا الا من رحمة الله الى هذه المادة اللازمة لحياة كل مسلم وخاصة هذا العصر المليء بالشواغل والفتن ما ظهر منها وما بطن، وتتأكد فيه الحاجة الى ما يحصّن الذات ويدعم الاسرة من التشرذم والانزلاق في مهاوي سحيقة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب والشر المستطير وفي غياب التفقة في الدين تقع التجاوزات المكروهة وأحيانا المبطلة للعبادة عن غير قصد سواء داخل العائلة او حتى في الجوامع وبيوت الله من ذلك مثلا ماهو شائع هذه الايام وخاصة من الايمة الجدد من التعثر والاخطاء في القراءة بسبب تعمد هؤلاء إطالة القراءة بعد الفاتحة في صلاة الجماعة مع ان السنّة والفضل عند الله في تخفيف القراءة واختيار سورة كاملة ولو قصيرة بعد الفاتحة عوض الآيات من السور الطوال وكثيرا ما تحصل المشادات في الجوامع بسبب التجاوزات المختلفة في هذه وغيرها نتيجة عدم التفقه في الدين الذي جاء بالتيسير والتخفيف لو كانوا يعلمون، علما ان المقصد التشريعي من هذا التخفيف والتيسير هو تمكين كل المسلمين على جميع المستويات من اداء العبادة المفروضة وفي المقدمة الصلاة المكتوبة التي لا تسقط عن صاحبها بحال من الاحوال الا عن المرأة في حالة حيضها او نفاسها فلا يجب عليها الصلاة ولا تقبل منها اذا صلتها ولا تقضيها اذا فات وقتها وتعددت لما نقل عن السيدة عائشة (رض) انها قالت كنا نقضي الصوم ولا نقضي الصلاة وصلاة المرأة في بيتها افضل لها وان قصدت الجامع فلا مانع بشرط الاحتجاب الكامل وعدم اثارة الفتنة بالتعطر وابطاء المشية، ومن التفقه في الدين معرفة ان فضل صلاة الجماعة (27 درجة) يتم حتى بواحد مع الامام وكلما ازداد عدد المصلين ازداد فضل الصلاة وان صلاة النافلة وخاصة تراويح الليل او التهجّد في المنزل مع العائلة افضل بكثير من الجامع الا اذا خيف خلاؤه وغلقه، لحديث ابن عمر (رض) صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا (اي مجهورة) رواه مسلم، وعن عائشة قالت: قال رسول (ص) (أحبّ الاعمال الى الله أدومها وإن قل) رواه مسلم، ومن الاخطاء الشائعة بين المبتدئين التهاون بمعقبات الصلاة وهي الاستغفار او التسبيح والدعاء عقب السلام والخروج من الصلاة المكتوبة فهذه المعقبات من متممات الصلاة وتكون جماعيا افضل لتعليم الجاهل وتذكير الناس وشد المصلين عن الاسراع للخروج.
اما الصيام الفرض فهو الركن الثالث من أركان الاسلام البدنية وهو مطلوب من المسلم الصحيح المقيم البالغ الراشد (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام أخر) 183 البقرة، أوجبه الله وأحاطه بجميع ظروف التخفيف والتيسير بأن حث الصائمين على التسحر وتأخيره الى ما قبل طلوع الفجر مع التعجيل بالفطر قبل صلاة المغرب وبمجرد تحقق الغروب والفطر يكون على عدد وتر من التمر او الزبيب او العنب او شربة ماء ثم الصلاة وبعدها العشاء دون اسراف، ورخص الله فيه الفطر للمسافر والمريض وعليهما قضاء الايام التي افطراها بعد فوات شهر رمضان والمرض هنا هو المرض الطارئ الذي يحكم فيه الطبيب الثقة بوجوب الافطار لأن الصوم يضرّ بصاحبه ضررا محققا، فان كان المسلم غير واع بدينه وحمّل نفسه ما لا تطيق وصام مع المرض فقد فعل محرما لما جاء في القرآن الكريم: (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة) 195 البقرة (ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما) 29 النساء.
نعم ان الله تعالى أرحم بعباده من أنفسهم ورحمته وسعت كل شيء، وهو غني عنا وعن أفعالنا مهما كانت فلا تنفعه طاعتنا ولا تصره معصيتنا (يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد 15 فاطر فاذا كان المرض مزمنا اي ملازما لصاحبه ومستمرا معه رغم تعاطي الادوية فلا يلزمه الصوم لكن عليه ان يطعم عن كل يوم مسكينا طعاما كاملا حسب استطاعته فان لم يحد فلا حرج عليه ومثله الشيخ الكبير المسن والعجوز المسن اللذان لا يقدران على الصوم فإنهما يفطران ويطعمان ان قدرا على الاطعام استحبابا، وكذلك المرأة الحامل اذا خافت على حملها او على نفسها فانها تفطر وتقضي ما أفطرته بعد فوات الشهر ووضع حملها، وكذلك المرضع إن خافت على رضيعها او نفسها فانها تفطر وتقضي ما افطرته بعد فوات الشهر ووضع حملها، وكذلك المرضع ان خافت على رضيعها أو نفسها فانها تفطر وتقضي بعد، أما اذا اعتادتا على الحمل او الارضاع مع الصيام والقدرة الكاملة عليه دون ضرر يذكر فالصوم افضل والله أعلم، وزيادة في الايضاح نذكر ونضيف بأن الحقنة الصحية (اي الزريقة لغير التغذية والتقوية) وكذلك البخاخة لتيسير التنفس عند اصحاب الربو، وكذلك رائحة او بخار الطعام لمن يحترف الطبخ وغبار طواحين الحبوب او التوابل وغبار الصنعة مثل النجارة... وكذلك المضمضة ومعجون الاسنان والتعطر او التجميل في الوجه ومن غلبه القيء ومن اصبح على جنابة او احتلم وهو صائم كلها لا تفسد الصوم الا اذا ابتلع الصائم شيئا منها فعليه القضاء، اما من أكره على الفطر العمد في رمضان بأي نوع من انواع الاكراه او بأي نوع من انواع المفطرات كالأكل والشرب والجماع فعليه القضاء فقط، لان الكفارة تجب على من افطر عمدا واختيارا ولو يوما واحدا من شهر رمضان المعظم فقط، فقد أكد المالكية وجوب الكفارة على من افطر عمدا في رمضان بجماع او غيره وهذه الكفارة تكون بواحد من (3) اصناف على الترتيب (1) عتق رقبة مؤمنة ويمكن تعويضها هذه الايام بتحرير اسير مؤمن او اكثر عند اهل الكفر في اي مكان (2) صوم شهرين متتابعين بعد رمضان، فمن لم يستطع فعليه (3) اطعام 60 مسكينا ليس فيهم طفل صغير يتغذى بلبن مرضتعه طعام يوم كامل حسب مستوى وطاقة صاحب الكفارة. هذه بعض الجزئيات التي تكتمل بها عبادة الصلاة والصوم ولا تدرك الا بالتفقه في الدين عن طريق المدارسة والتعلم لا عن طريق المطالعة، وقديما قيل لمن اكتفى بالكتاب لأبد من شيخ يريك شخوصها، والا فنصف العلم عندك ضائع، ولذلك قال الله تعالى وهو أصدق القائلين (فأسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) 43 النحل 7 الانبياء.
اما عن سماحة الاسلام مع غير اهله فحدث ولا حرج عليك بدليل وجود هذه الاقليات في كل البلدان التي فتحها العرب المسلمون الخارجون من الحجاز فانك تجد المسيحيين واليهود وحتى الصابئة والمجوس وعبدة النار والشيطان في اكثر اقطار الشرق الاوسط والاقصى من الدول المفتوحة صلحا او عنوة في تواريخ متلاحقة منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي فتح بيت المقدس سنة 15 ه في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب جاء رؤساء كنائس هذه الجهة المحاصرة من الجيش الاسلامي الفاتح وطلبوا التصالح على يد الخليفة العادل الذي قدم من المدينة خصيصا لابرام الصلح معهم على ان يعيشوا تحت ذمة المسلمين مقابل جزية معلومة يدفعونها سنويا، دون ان تمس مقدساتهم بسوء، وكتب هذا الصلح في وثيقتين احداهما عند المسلمين والثانية عند المسيحيين وخلاصته اطلاق حرية الدين للمسيحيين وابقاؤهم على ما كانوا عليه من أمر دينهم وكنائسهم، وهذه الوثيقة مشهورة وموجود عينة منها في المتحف بتركيا والخليفة عمر هذا هو الذي أنكر على واليه على مصر ما فعله ابنه مع القبطي المسيحي المنتصر عليه في سباف الفرسان... وتمضي القرون ويضعف المسلمون ويحتل الصليبيون بيت المقدس هذه ويعملون السيف في أهلها المسلمين متنكرين لكل العهود والمواثيق حتى يستعيدها منهم بالقوة صلاح الدين الايوبي، وبعد انتصاره يؤمن النصارى فيها على حرية العبادة وعلى حياتهم وأموالهم واعراضهم ويعامل اسراهم بالحسنى وهم الذين قدموا من أقاصي أوروبا لمحاربة المسلمين في عقر دارهم، ويتكرر نفس الموقف مع السلطان العثماني التركي (محمد الفاتح) الذي حاصر مدينة القسطنطينية طويلا حتى جاءه قساوسة الروم يطلبون الصفح والسماح لهم بالعيش في ظل الخلافة الاسلامية وأحكام شريعتها وهذا يناقض ما يشيعه المغرضون من تشويه الفتوحات العثمانية في أوروبا والاسلامية كلها زورا وبهتانا وهم لا يعلمون او لا يريدون ان يعلموا ان في دستور الاسلام آيات تحرّم قتل الابرياء غير المحاربين مهما كانوا، (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله الا بالحق) 151 الانعام، (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) 190 البقرة.
وبلغ من اشفاق النبي (ص) على قومه الذين آذوه وتفننوا في الاعتداء والتضييق عليه وعلى دعوته واتباعه ان سامحهم جميعا حين تمكن منهم وانتصر عليهم في فتح مكة عنوة سنة 8 ه وقال تلك الحكمة الغالية (اذهبوا فأنتم الطلقاء) اي احرار في ملك الله الرحب لان الخالق سبحانه قال (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) 256 البقرة (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) 29 الكهف وقال جلّ وعلا في تعليم نبيه وتوجيهه، وقد كان (ص) خلقه القرآن: (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) 99 يونس والمنصفون من القساوسة ورجال الكنيسة يعرفون هذه الحقائق او بعضها على الاقل رغم الداء والاعداء فترى بعضهم بحثون اقوامهم على اتباع الحق والاقرار بأن الامن والامان والعفو والتسامح سمة بارزة في الاسلام وفي سلوك اهله المتنورين بنور الحق واليقين والمتحررين من العصبية الجاهلية والقبلية او العشائرية المقيتة وتلك بقايا تخلّف العصور الجاهلية الاولى فهذ القس المصري (إيميل قس الطائفة الانجيلية في الكنسية الشرقية) وباحث في علوم مقارنة الاديان يؤكد ان من يصف الاسلام بالعنف والارهاب جاحد للحقيقة متعنت وغير منصف في حكمه. وانه لا يوجد دين سماوي صحيح يدعو الى الشر والفتنة، اما الارهاب والعنف فهما سلوك بشري متطرف موجود في كل زمان ومكان نيتجة الكبت والقمع والظلم الاجتماعي، وان المسلمين الصادقين مثل دينهم يتصفون بالشهامة واخلاق الفرسان في حربهم وسلمهم يحافظون على حياة الاطفال والنساء والشيوخ وكل من لا يحاربهم ظلما وعدوانا، واضاف انه يأسف بحق على ما فعله النصارى في العصور الوسطي وما يفعلونه اليوم من عدوان همجي تجاوز ما لا يقره دين ولا عقل وهذا مخالف تماما لتعاليم السيد المسيح القائل «أحبوا أعداءكم».
وهذا الاديب والكاتب (جاك صبري شمّاس) الشامي المسيحي والاديب النزيه الكاتب بالمجلة العربية السعودية قال في الجواب عن سؤال لماذا يسيئون للعرب والمسلمين هذه الايام؟
قال حين هدأت الحرب الباردة والساخنة بين المعسكرين الروسي والامريكي وكشف الله عورات ونقائص المتسترين وراء شعارات القوة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بدأت انظار الغرب بتحريض الصهيونية العدوانية والصليبية الحاقدة والمنحرفة عن تعاليم السيد المسيح البريء من غدرهم وخياناتهم لله ولرسله، بدأت انظارهم تتطلع الى محاربة العرب والمسلمين والاساءة الى خاتم الرسل محمد (ص) واثارة الكراهية للعرب والمسلمين والاسلام ورسوله في اي مكان ودون مناسبة منساقين مع تيار العنف والعدوان والتعصب العنصري وقد كان على النقيض تماما من رئيس الكنائس البابا السابق الذي كان ينادي الى التعايش السلمي والحوار بين الحضارات وعندما زار دمشق قصد الجامع الأموي وخلع حذاءه عكس الكنيسة ودخل بكل إجلال وتقدير، كما انه سامح من حاول اغتياله سابقا، ومن تصريحاته: كم كنت أتمنى ان يطلع الغرب النصراني المغرر به على ما قال الرسول محمد (ص) مثل (من آذى ذميا فقد آذاني وأنا حجيجه يوم القيامة) وحين مرت امامه جنازة قام احتراما، فقيل له: انها ليهودي فقال: (أليست له نفسا انسانية) هذا هو الدين الاسلامي في جوهره وحقيقته ونحن نرفض اي تحريف واعتداء او إساءة الى كتابه ونبيه (ص) أو تغييب لقيمه او تشويش على مسيرته الموفّقة إن شاء الله حتى ولو كان المشوّش نسيبا عائليا الى أعلى المناصب الدينية وأكبر البيوت العريقة لكنه انطلت عليه وبلع الطعم والله الهادي الى سواء السبيل (ان الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.