ثمة أسئلة تتبادر الى ذهن الناس كلما تعلق الامر بمصير وثائقهم الشخصية التي أودعوها لدى المصالح الحكومية والخاصة بغية قضاء شأن ما... هل يتم حفظ هذه الوثائق أو يقع اتلافها وهل تخضع الى حماية ما باعتبار احتوائها على معطيات شخصية؟ تونس «الشروق»: تعيش تونس هذه الأيام على وقع فعاليات اليوم العالمي للأرشيف الذي تناول هذا العام موضوع حماية الوثائق المودعة لدى المصالح الحكومية والخاصة من طرف المواطنين بهدف قضاء شأن ما... والحقيقة أنه ما من تونسية أو تونسي لم يسلم هذه المصلحة الإدارية أو المؤسسة ملفا ما يتضمن حزمة من الوثائق قد تحتوي في بعض الأحيان على معطيات ومعلومات خاصة جدا. معطيات ومعلومات قد تقلب حياة البعض رأسا على عقب متى وقعت بين أيدي أشخاص أو جهات مشكوك في ذمتها. والمعطيات الشخصية باتت في أيامنا هذه سلاحا خطيرا لتشويه السمعة وضرب المصداقية وهتك العرض والنيل من الأشخاص ونسف رصيد الثقة الذي يتمتعون به عند الناس. فكيف تتعامل مصحاتنا ومستشفياتنا وإدارتنا ومؤسساتنا الأمنية والمصالح الإدارية الخاصة مع ما يودع لديها من ملفات تتضمن وثائق المتعاملين معها؟ في قراءته للنصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية، اعتبار الاستاذ المحامي رمزي المحمدي أنه « رغم وجود نظام قانوني ينظم كيفية حماية المعطيات الشخصية في تونس والمتمثل في القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 والمؤرخ في 27 جويلية 2004 والمتعلق بالمعطيات الشخصية ورغم تكريس الحق في حماية المعطيات الشخصية كحق دستوري في الفصل 24 من الدستور الجديد لسنة 2014، إلا أن مستوى حماية هذه المعطيات مازال دون المأمول خاصة في ظل التكرر اللافت للإنتهاكات ما يؤكد قصور المقاربة التشريعية وعدم فعالية دور الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في مهمتها الرقابية «. وكانت هذه الهيئة قد أحدثت بمقتضى القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 وهي تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي وميزانيتها ملحقة بميزانية وزارة العدل ومقرها بتونس العاصمة وتتولى تحديد الضمانات الضرورية والتدابير الملائمة لحماية المعطيات الشخصية. فهل نجحت هذه الهيئة في المهام الموكولة لها ؟ أسرار على قارعة الطريق ! في سنة 2007، لفت زميل صحفي نظري ونحن في طريقنا الى المحكمة الابتدائية بتونس لتغطية احدى المحاكمات الى وجود كدس من الأوراق والوثائق مرمية في حاوية فضلات تابعة لوزارة التربية. أنحنى الزميل والتقط حزمة من الملفات وأراني ما بداخلها فإذا هي نسخ من بطاقات تعريف وطنية ومضامين ولادة ونسخ لشهائد علمية وصور شمسية ومطالب عمل يبدو أن أصحابها لم يحالفهم الخط في العثور على وظيفة في وزارة التربية فقام موظفوها برمي تلك الوثائق في حاوية الفضلات دون أي اعتبار لما تتضمنه من معطيات شخصية ومعلومات خاصة ولمعرفتي بطباع أهل الريف، قلت في نفسي: ماذا لو احتفظ أحد من عديمي الذمة لنفسه بصورة شمسية لإحدى طالبات الشغل وقرر ابتزازها وتهديدها لدى ذويها بصورتها ناهيك وان تلك الملفات كانت تتضمن عناوين وأرقام هواتف ولم يكن من الصعب الاتصال بواحد من أصحابها. وربما قد يكون ما ذهبت اليه موغلا في التهويل والمبالغة ولكن ما تلقي به عديد المؤسسات العمومية والخاصة دوريا من وثائق قد تتحول الى اوراق لف عند «الحماصة والعطارة» يمكن ان يتسبب في ماسي ومشاكل للبعض. اما الانتهاك الصريح للمعطيات الشخصية فتمارسه شركات الهاتف المحمول كما ذهب اليه الاستاذ المحمدي بقوله «تشهد تونس انتهاكا متزايدا للمعطيات الشخصية للمواطن تمثلت آخرها في إستعمال شركات الهاتف الجوال للأرقام الشخصية للمواطنين لإرسال رسائل إشهارية متنوعة دون الموافقة الشخصية لصاحب الرقم وهو ما يعتبر من قبيل الرسائل الإشهارية غير القانونية حسب تأكيد رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية». هيئة عاجزة... يعيب الاستاذ رمزي المحمدي على منظومة حماية المعطيات الشخصية في تونس «قصور المقاربة التشريعية المتمثلة في قانون حماية المعطيات الشخصية خاصة من حيث الفعالية المرجوة للهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية المنصوص عليها بهذا القانون والتي ترتبط أساسا بالنقص الفادح في الموارد البشرية والمادية واللوجستية حيث تعمل حاليا ب3 أعضاء فقط وتتلقى أكثر من 100 ملف شهريا لدراسته كما أنها لا تتتمتع بالاستقلال المالي المنصوص عليه قانونيا لإلحاق ميزانيتها بوزارة العدل وهو ما يعيق دورها الرقابي والتحسيسي بأهمية المعطيات الشخصية حتى لا يبقى هذا الحق حقا هامشيا يغيب بصورة واضحة كحق أساسي لدى المواطن التونسي ولا يعلم هذا الأخير كيفية التعاطي معه ويحضر لدى السلطة كحق ينظر " من زاوية الفضل لا من زاوية الحق» ما يبرر لمؤسساتها انتهاكه إما جهلا بالقانون أو إطمئنانا لعدم الصرامة الكافية في تطبيقه». وكان رئيس الهيئة قد كشف انه تم « رصد عدّة تجاوزات من قِبل مجموعة من الشركات بخصوص المعطيات الشخصية التي تحصلت عليها من حرفائها على غرار استعمال 47 مصحة لبرمجية البصمة دون الحصول على تراخيص قانونية».